· 

بين التّدبير والتبذير … وتوريث الفقر في لبنان

 ‎من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا اكتب“جزء 5
‎من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا اكتب“جزء 5



 المال خادم جيدّ لكنه سيّد فاسد ، إضاعة المال في الحياة ربما تجعل الانسان فقيراً لكن اضاعة الوقت تفقده جزءاً من حياته وفعلاً صدق القائل "ما وقع تبذير في كثير إلَّا هدمه ولا دخل تدبير في قليل إلا ثمره" والترشيد في الانفاق هو أسلوب حياة وطريقة لضمان التوازن الاقتصادي للجميع وهو مطلوب في كل وقت ، وهو غير مرتبط بظروف أو زمن معين، فالتَدبير يُثمر اليسير والتبذير يُبدِد الكثير ! والفرق كبير بين التدبير والاقتصاد وبين البخل والشح وبين الانفاق والتقطير  وبين الاسراف والتبذير ،  على ان ثقافة التقشف التي تفرضها احياناً الحروب والازمات الاقتصادية والكوارث التي تمر بها البلاد تتطلب من الجميع وقفة جادة لتحمل أعباء المرحلة .


وفي مقدمته الشهيرة وضع أبن خلدون خمسة مراحل للدولة : المُلك والاستبداد ، الترف والراحة ، القنوع والمسالمة ، اما المرحلة الخامسة فأسماها الاسراف والتبذير وهي فعلياً ما مر به لبنان‬⁩ لسنوات طويلة فسوء التدبير والتبذير ينخران الكيان اللبناني منذ عقود طويلة ، واعتقد انه على القيادات والكتل كلها أن تعلم أنه يجب أن تتعلم من أخطاء الماضي والبدء بالعلاج  ، حتى أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ تسعينات القرن الماضي كانت لا تمتلك رؤية اقتصادية قابلة للتنفيذ ، وليس لديها خطط اقتصادية طويلة المدى، والحلول التي تبنتها الحكومة في معالجة الأزمات الاقتصادية الراهنة قدمت حلولاً قصيرة الأجل ،وظل الإنفاق اكبر من الواردات والتبذير يكبر مع كل سنة ! والاقتصاد اللبناني يعيش الركود ولو كانت الحكومة تريد تجنب المحظور الذي وقعنا به لكانت استفادت من رجال الاقتصاد العالميين الذين قدموا لها تقرير ماكنزي الشهير ،والاصح كانت باشرت تنفيذ شروط التعافي الاقتصادي مع البنك الدولي .


نعم كلنا يعرف أن الحكومة اللبنانية أمرها بيد رؤساء الكتل ، إن شاء الكبار سهلوا عمل الصغار ، وإن ارادوا التعطيل طلبوا منهم الانسحاب من طاولة مجلس الوزراء ،فكله يدار بالواتساب ، والكتل كلها تجار سياسة وبالمختصر فأن الاحزاب في لبنان أغنى من الدولة ، والمعالجة الاقتصادية والمالية للانهيار كانت ظرفية مثال ممرض يعالج مريضاً وليس طبيباً متخصصاً . وهذا ما أوصلنا للايام صعبة التي نتمنى ان تكون قد مرت مع بدء الاقتصاد اللبناني بالتعافي بعد اقفال بعض مزاريب الهدر نتيجة وقف دعم سلع بمعظمها كان يهرب خارج الحدود او يسفيد منه تجار الازمات ، وفي النتيجة فأن الرؤية الاقتصادية والسياسية وادارة الدولة بالعموم يجب تدار من اشخاص اصحاب خبرة ادارية وتدرج وظيفي وعقول فذة . ومعظم اللاعبين من رجال السياسة عندنا هم سياسيون صدفة وخال وابن اخت وصهر وابن عمة …..الخ حصلوا على مناصب وعلى مخصصات لم يحلموا بها في حياتهم .

نقولا ابو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0