· 

بين إنتاج المعرفة ونقلها، والامل بالاجيال القادمة

من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6
من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6

مما لا شك فيه أن المعرفة هي مخصصة للنشر حتى يستفيد منها الناس، رغم أن الأعمال الشخصية قد تتطلب الخصوصية أحياناً. ‏وهكذا فأنه من المهم نشر المعرفة وعدم إخفائها أو الاحتفاظ بها، في حين أن إخفاء الأعمال الشخصية أحياناً لا يعد خطأ. على أن ما نقوم به من أجل "نقل المعرفة" عبر زيارة الجامعات او استقبال طلابها في مكاتبنا وقاعاتنا ، اضافة الى الاطلالات الاعلامية والكتابة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وطباعة الكتب وتوزيعها مجاناً وغير ذلك من النشاطات ، مما يؤكد أن نقل المعرفة للاخرين هو نشاط إيجابي لمواكبة حركة الفكر والعلوم! لكن يجب أن لا نكتفي بنقل المعرفة بل أن يكون هدفنا  في لبنان العودة الى مرحلة "إنتاج المعرفة" وقيادة الفكر لا نقلها كما يجري حالياً.


وفي ‏مقولة حكيمة تشدد على أهمية العلم ونشره بين الناس يقول احد الحكماءَ أن : ‏"إخفاء العمل نجاةٌ وإخفاء العِلم هلكةَ" ويبقى إخفاء الجهل أصعب بكثير من ادعاء المعرفة ، كما أنه بالإمكان إخفاء الذكاء ، ولكن من المستحيل إخفاء الغباء . ورغم ذلك لا يزال العديد من الاشخاص يعتقدون أن إخفاء المعرفة عن الاخرين يعطيهم ميزة تنافسية ، وهذا ان دل على شيئ وهو أن عقلية الندرة ما تزال تسيطر عليهم حتى الآن ، ورغم انه يبقى من الافضل في بعض الحالات إخفاء المعرفة لان الخير في عدم  كشف كل الحقائق ،فليس كل ما يُعرف يُقال . وسلاح المعرفة قد يكون قاتلاً لصاحبة ما لم يحسن استعماله .ولعل من أجمل ما كتب المتنبى من روائع عن المعرفة نختصرها في كلمات ؛ ذو العقلِ يشقى فى النعيمِ بعقله ؛ وأخو الجهالةِ فى الشقاوةِ ينعمُ .. 


وهكذا نراه يعيش حياة البؤس كل من أحتفظ بمعرفة الأشياء المحيطة بهِ ويكتمِلُ بؤسِه عندما يُتقن إخفاء تلك المعرّفة ، وإذ نعيش في ايامنا صراعاً بين منظومة تريد إخفاء الحقائق حتى تستمر في السيطرة والتحكم بالبشر معتمدة على ثقافة التعتيم والتجهيل والترهيب ، ومنظومة جديدة تسعى لتحرير البشر من قبضة المنظومة الاولى ، وكل ما علينا فعله حالياً هو التهيئة لجيل قادم ذكي ومثقف ولا يعرف التبعية والولاء للطائفة . وحسب إعتقادي لن نستطيع أن نعيش في المجتمع اللبناني حلم السلام والحرية وأن نرى المبادىء والقيم واقعاً ملموساً دون تمهيد الطريق لجيلٍ قادمٍ قادرٍ على تحقيق هذا الحلم ، وعلينا تسهيل الامور لهذا الجيل، وعدم تركه يتخبط في دهاليز التبعية التي اوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم.(الصورة من ارشيف "الصناعي الصغير" لتلامذة مدرسة كفرزبد )

نقولا ابو فيصل ✍️