· 

بين الجاهل المتمّول والمثقف التائب …مغادرة صامتة

من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6
من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6

بعض أصحاب المناصب في لبنان دائمو التجهم والعبوس ، حواجبهم قاطبة لا يعرفون الابتسامة وكأنهم إذا ابتسموا نَقَص عمرهم أو قَل مَالهم ، وربما هدفهم من ذلك عدم رفع الكلفة مع الاخرين فيجعلون لانفسهم هالة من التفاخر والتعالي ويظنُّون المديح مفخرة لهم ، يخفون في داخلهم ما لا يشبه ما يتظاهرون به ، يهتمّون كثيراً برأي الآخرين بهم ، ويظهرون قدرتهم لاثبات وجودهم عندما يظنون بأنّ لا احد يبالي بهم ، يبحثون عن الاهتمام بهم ولفت النظر وربما يسعون لتعويض نقص في حياتهم الخاصة . يعانون من عدم إستقرار عاطفي عبر إخفاء عيوبهم ويعيشون حالة عدم الرضا عن الذات ، ويعانون من قلق وتوتر وضغط نفسي بسبب الغيرة ممَّن يزايد عليهم في المظاهر الخارجية.


واذا كان من الجيد الإهتمام والعناية بالشكل الخارجي للانسان , لكن يجب أن يتمّ ذلك بالتوازن مع الجوهر، ولا بدّ من سلّم أولويّات، فلا يهمل الأمور الأساسية  في سبيل الحفاظ على المظهر الخارجي . والتباهي هو مشكلة حقيقية بل آفة إجتماعية، حيث يُمعن الفراغ الداخلي في إبراز المظهر الخارجي الفخم والجميل عند بعض الجهال مما يساهم في تنامي السطحية والكذب، والتعاطي بعفوية مع من يحيط بنا يكسبنا راحة نفسية بعيداً من الضغوطات والتوتر ، دون الحاجة الى التظاهر والتمثيل والخداع أحياناً. كما أنّ الإهتمامَ بالمضمون الداخلي أي القيَم والأخلاق والمبادئ كفيل بإعطائنا شعوراً بالرضا عن الذات والثقة بالنفس والإكتفاء،


ومن الجهال الى المثقفين ، فالشخص المثقف يمتلك القدرة على التفكير والتحليل، وفهم القضايا المعقدة، والاطلاع على المعلومات من المصادر الموثوقة ، كما أنه يمتلك القدرة على التعبير والتواصل مع الآخرين سواء كان ذلك عبر الكتابة أو الحوار ،  وهو دائم السعي للمعرفة والتعلم المستمر والبحث عن فهم العالم من حوله رغم وضعه المادي الصعب في اكثر الاحيان ، ولأنه يمتلك أفكار النخبة فهو يقع  فريسة سهلة للأحزاب ورجال السياسة خاصة اذا كان غير ميسور الحال ووضعه المادي معقد بعض الشيئ ما لم نقل معدماً! وهناك مئات الامثلة من حولي لشخصيات مثقفة تنقلت في ولائها بين عدة احزاب ذات افكار ومبادئ متناقضة ، لكن الملاحظ انهم عادوا وتخلوا عن الاحزاب في اعمار متأخرة وذلك على طريقة نجيب محفوظ حيث أختاروا المغادرة الصامتة رداً على كل من استهان بطيبة قلوبهم.


نقولا أبو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0