· 

بين ثقافة الادخار وثقافة التشبيح، واليوم الاسود

من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6
من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6

يتضح لي دون الحاجة لاجراء دراسة علمية أن ثقافة الادخار لدى اللبنانيين هذه الايام شبه معدومة ، ويعود السبب الى الانهيار المالي والاقتصادي الذي شهده لبنان والذي ادى الى تدني قيمة النقد الوطني ، وبالتالي فقدان الرواتب والاجور قوتها الشرائية ، إضافة الى عوامل عديدة ، ومن أجل تعزيز ثقافة الادخار يجب تمكين الأفراد من التخطيط مالياً بشكل أفضل للمستقبل وتوفير أسلوب ادخاري آمن ، حيث أنه عندما يرتفع وعي المواطن يقل إنفاقه في كل شيء ويتوازن مصروفه حتى في رفاهية الحياة ، وهذه ظاهرة صحية تحفز ثقافة الادخار  . ويبدو من الصعب على اللبنانيين الادخار في الوقت الحالي بسبب تدني المداخيل والارتفاع الكبير في اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية بحيث بات يصعب على 80% من ابناء الوطن تحمله ، نعم نحن نتحدث عن سياسة الإدخار في بلد البطون الخاوية في معظم الارياف اللبنانية وضواحي المدن الكبرى لبيروت وطرابلس وزحلة وصيدا وغيرها ، حيث باتت المداخيل اليومية لبعض قاطنيها لا تتجاوز الثلاثة دولارات ، هذا اذا وجدوا فرص عمل لهم. 


‎في المقابل أنتشرت في لبنان مؤخراً ثقافة التشبيح بعد أن ضاعت ثقافة الحرية ، فاللبنانيون مبدعون في أخذ أسوأ ما في الأشياء في بعض الاوقات للاسف . وثقافة التشبيح هي على انواع تبدأ من تشبيح بعض رجال السياسة لتنتقل الى بعض المثقفين والتجار والمغتربين والمقيمين وأهل الفن ، وصولاً الى بعض الاعلاميين من الذين لمعت أسماؤهم كالأضواء الزائفة لتملقهم للحكام والمسؤولين ووقوفهم ضد مطالب شعبهم بالحرية والكرامة .  وثقافة التشبيح في لبنان تبدأ من ثقافة إقتناء البعض لاغلى السيارات الى ركنها امام المطاعم الفاخرة ، الى ثقافة إقتناء المجوهرات الثمينة والالبسة من الماركات العالمية الى شراء المنازل الكبيرة التي يسكنها بالغالب العنكبوت وليس الله ، الى ثقافة التشبيح في الموائد العامرة ، ووفقاً لبحث أجرته الجامعة الاميركية في بيروت فإن 44% من هدر الطعام يحدث قبل الاستهلاك و34% يحدث في مرحلة ما بعد الاستهلاك ، وما عليكم الا مشاهدة الموائد في المطاعم اللبنانية .


وفيما يعيش اللبنانيون اسوأ حصار مالي في تاريخه، قَدّر الله لهم الصمود بفعل ارادة شعب لا يقهر في وطنه ومساندة الاغتراب اللبناني لهم في تأمين مقومات هذا الصمود بالتعاضد والتآخي ، لكن شعب لبنان يعيش صراعاً  جدياً من نوع آخر، بين مقولة "خبي قرشك الابيض ليومك الاسود" ومقولة "أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"! "وبين ما راح تعيش الا مرة واحدة أنفق ولا تبخل على نفسك" ويبقى الاصح  هو الاعتدال في الحياة الوسط بين الاثنين فلا يجب ان يدّخر الانسان المال ويحرم نفسه من أشياء ، ولا يجوز إنفاقها في أشياء ليس بمقدوره عليها ،  والأهم أن يكون متوسطاً في المصروف . وفي الاخير لا اظن أن هناك اياماً سوداء اكثر من الايام التي مرت  على لبنان تخللها على مدى سنوات طويلة ثلاثي الغباء والبلاء والغلاء ، وأنا لا ازال أستغرب عند مشاهدتي رواد المقاهي والمطاعم كيف يمكن لبعض هؤلاء عدم احترام مشاعر اخوتهم في الوطن وخدش مشاعرهم من خلال المبالغة في عرض الثراء امام عيون الفقراء من ابناء وطنهم وتجاهلهم فقرهم ومعاناتهم ؟.

نقولا ابو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0