· 

بين الحرية في فكر جبران النبي والحكمة في فكر جنبلاط المُعلم

من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6
من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6

يشّدد جبران خليل جبران على أن الحياة بدون حرية مثل جسم بدون روح، والحرية بدون فكر مثل روح مشوشة  . الحياة والحرية والفكر يمثلون في فكر جبران ثلاثة أقانيم في ذاتٍ واحدة أزلية لا تزول ولا تضمحل . والحرية الكبرى هي سبيل الإنسان إلى التفوّق وإلى الألوهة وإلى الخروج من الزمن ليصير كلّ زمان زماناً له . على أنّ الشرط الأساسيّ للتحرّر من قيود الزمن هو التخلّص من الماضي ومن التاريخ . وهذه قاعدة يشدّد عليها جبران سبيلاً لبناء المجتمَع المتجدّد ودفعه إلى الخروج من الزمن الماضي شرط أن يمتلك الانسان الحِكمة وبراءة الأطفال, وأن يكون شاعراً مُحبّاً للجَمال, شجاعاً في مواجهة الحقيقة والحرية حسب أعتقاد جبران ، لا تتحقّق إلاّ بثمن باهظ يترتّب علينا تأديته وهو الألم, الألم الناتج من الكفاح في سبيل الحرّيَّة والذي أفرد له جبران فصلاً خاصّاً في كتابه "النبيّ" في فكر جبران إنسان يبحث عن مجتمَع حرّ وعادل, وإنسان آخر يبحث عن ذاته وعن التحرّر من الزمان والمكان ليصبح كائناً كاملاً متّحداً بالإله, ويعتبر جبران أنّ الألم الذي أعدّه لنا الله هو دواء لأمراضنا حين قال: "ولأنّ الكأس التي يقدّمها لكم, وإن هي حرقت شفاهكم, فالطين الذي صنعت منه هو الطين الذي بلّله الخزّاف الأعظم بدموعه القدسيَّة" وهكذا وبعد سبعين عاماً، لم ينضب فكر جبران هذا المارد المتواضع في مجتمعه ، ولا نزال في كل يوم نتعلم الكثير من حكمته ونتعايش بها روحاً وتوجيهاً نحو الحرية والعدالة التي ناضل من أجلها جبران "النبي" في حياته وتستمر بقوة بعد مماته . 


وصولاً  الى المُعلم كمال جنبلاط الذي وضع افكاره في عدة كتب منها "ادب الحياة""ثورة في عالم الانسان". "العلاج بعشب القمح" "الديمقراطية الحديثة" "فيما يتعدى الحرف""حقيقة الثورة اللبنانية " وغيرها من المؤلفات التي تحوي أدباً وشعراً وفلسفة. وقد لُقب بالمُعلم لسِعة علمه وحكمته . يقول كمال جنبلاط : الفعل في جوهره عملية  مكونة من عناصر تجمع بين الأفكار والمشاعر والإرادة،كما انها إستباق للمستقبل المنشود، ويلتقي مع جبران أنه إستباق يتخطى أطر الزمان المحددة . إن فعلين مختلفين تماماً يمكن أن يبدوا في المظاهر الخارجية وكأنهما متطابقان تماماً ولهما نتائج متساوية. ورغم ذلك فهما مختلفان كلياً تماماً ، كالذي يعطي بدافع الحقد أو التباهي في مقابل الذي يعطي بدافع المحبة وهنا تدوي "صنوج" القديس بولس " إذا أعطيتُ كل شيء للفقراء وكنت مفتقداً للمحبة فلا فائدة من فعلي" وفي مكان اخر يقر المُعلم كمال جنبلاط ، إن تحقيق الحرية يتطلّب التزامًا تامًّا في الحياة، فلا يحقّ لاحدٍ الهروب من المعركة للبحث عن الحقيقة. إن الألم الأكثر تطهيرًا للذات هو الذي لا يسبّب أيَّ ضرر للآخرين وعلى الإنسان أن يصبح حرًّا، لأنه في طبيعته الأخيرة حرٌّ. وأمام الوعي الأزلي تفقد الكلمة معناها. ويختم ان في الإنسان ازدواجية: نفس فردية تتغير من حال إلى حال، وتتألم وترضخ لشتى القيود والنقائص ، وجوهر أصيل خالد ثابت وقائم بذاته، لا يدركه التغير والألم والزوال. 

بحث نقولا ابو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0