· 

بين الصمت والغضب، إبتسم انت في لبنان

من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6
من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6


‎تعلمت منذ صغري قوانين الكلام والصمت فوجدت أن الصمت وقت الحزن كبرياء ، ووقت الفرح خسارة ، ووقت سماع النصيحة أدب ، ووقت الفوز ثقة بالنفس ، ووقت العمل إبداع والاصح متعة ،والصمت وقت تلقي الإساءة حكمة ووقت التعرض للسخرية تَرفع ووقت الإستفزاز إنتصار، ووقت الغضب قوة ، ووقت القرار تردد .  ولعل سبب الغضب داخل الانسان بحسب دوستويفسكي هو تظاهره بالغباء عند معرفته حقيقة من حوله ،وتظاهره بالقوة وقت حزنه ، والتزامه الصمت وقت الكلام. لذا كما أن الصبر هو صفة الأنبياء فأن الصمت هو لغة العظماء ، والقوة ليست فيما نقُوله ونفعلهُ دائماً ، فأحياناً تكون فيما نصمت عنهُ، وفيما نتركه ونتجاهله بإرادتنا ، فليس القوي بقوته إنما القوي من يتمالك نفسه عند الغضب  


وكلما تعمقت في دراسة قوانين الصمت كلما وجدته بلاغة وقت الثرثرة، وخيانة وقت الشهادة للحق ، وجبناً وقت سماع الباطل ، وعزة وقت الحاجة، وتدبيراً وقت التفكير ، وإنتقاماً وقت الفراغ . ويبقى الصمت هو اللغة البليغة حين يكون البوح غير مُجْدٍفليس الصمت رائعاً دائماً ، وليس الكلام سيئاً دائماً ، فهناك من نرتقي عنهم بالصمت وهناك من نرتقي معهم بالحوار، لذا أرى الخير بالصمت أو بالحوار الراقي ولا شيئ غير ذلك ! وقد يكون إحترام الذات البشرية هو في عشرة أجزاء ، تسعة منها في الصمت والعاشر في إعتزال معاشرة اصحاب العقول الخفيفة والحاسدة وربما الحاقدة! كما تعلمت الحرص على مراعاة قلوب من حولي وانتقاء كلماتي قبل أن أنطق بها حتى لا أجرح بها قلب أحدٍ حيث لا تعود كل كلمات الأسَف والاعتذار تداوي الجراح ! 


ويبقى الانتصار بالصمت هو أفضل من الانحدار الى الرد ، لذا تعلمت أن لا أنطق بالكلام إلا إذا كان للخير، ويبقى الصمت هو محاولتي الأخيرة لإخبارهم بكل شيء لم يفهموه حين كنت أتكلم.. وأسأل الله أن يلهمني متى أتكلم ومتى أصمت! ‏ومن قصة يوسف النبي تعلمت محاربة اليأس مهما تأخر الفرج ، وأن اعداء الانسان  قد يكونون من أقرب الناس إليه ،وأن المظلوم سوف يكون منصوراً وإن طال الزمن ، وأن التماس العذر من المروءة وأن الستر مطلوب لراحة القلوب ، وتبقى رحمة الله واسعة وأنه علينا الصلاة بصمت وطلب المغفرة ، وكما يقول الكتاب المقدس : الصمت هو اتقاء لأخطاء اللسان ، لأن كثرة الكلام لا تخلو من معصية. ومن القديس أرسانيوس تعلمت من قوله : "كثيرًا ما تكلمت فندمت، أما عن سكوتي فما ندمت قط"وفعلاً أصاب الإمام علي بن ابي طالب في قوله "بلاء الإنسان في لسانه" .

نقولا أبو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0