· 

بين عطف الناس وبطشهم، نسألك الرحمة يا الله

من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6
من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6

عطف الناس بعضهم على بعض يعني إعانة بعضهم بعضاً، وإيصال النفع لمن هو محتاج منهم .شرط أن يأتي فعل ذلك بداعي الرحمة لا الشفقة ، كما أن الإحسان إلى الغير هو في الحقيقة إحسان إلى النفس أولا , لأن المحسن الذي يعطف على الناس يتلقى أجره في الحياة والآخرة، فهو يظن في الظاهر أنه يقدم النفع للآخرين بينما في الواقع يقدمه لنفسه . على أن المجتمع الذي يكثر فيه التعاطف والتضامن هو بدون شك مجتمع متماسك مترابط لا يطمع فيه عدو ، لهذا تحث الشرائع السماوية الشعب على التعاطف والتراحم . وفي حياتنا اليومية ليس كل سقوط هو مصيبة بل هو  رحمة من الرب لنتعلم الوقوف من جديد  ,ولن يجد الانسان من هو أحن عليه من الله ، وإذا أردت صديقي القارئ أن ترحم الناس، فابدأ برحمة من دونك ليرحمك من فوقك والرحمة في الله حياة ! لذا ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. 


وفي القانون وجدت الرحمة خيراً من العدالة  , فالعدل أساس والعدالة مطلب، وما بينهما تقع الرحمة التي يشتهيها المظلوم وهي دوماً تسبق الوقت ولا يسبقها،لذا يجب ان لا نيأس وأن نحاول اصلاح أخطاء غيرنا وأن نعّلم غيرنا بدل أن نعاقبهم وأن نتساهل عن  إساءتهم الينا طمعاً بتسامح الآخرين عن اخطائنا ، فربما وقعنا يوماً ما ضحايا قلوب لا تعرف معنى الرحمة كما حالنا في هذا الزمن مع حكام لبنان وحزب المصارف اللبنانية ، وعلى الإنسان أن يكون رحيماً، لأن الرحمة تجمع بين البشر وتوحد القلوب المتنافرة ، ولو تراحم الناس في ما بينهم لما كان بينهم جائع ولا مغبون، والرحمة أعمق وأطهر من الحب وهي إنكار للذات وتسامحٌ وعفو، وأذا كنا قادرين جميعاً على الحب لكن قليل منا قادر على الرحمة. وفي القرآن الكريم ورد مصطلح  رحمة في 340 آية تحدثت عن الرحمة المدخرة عند الله إلى أبد الآبدين والرحمة الواقعية التي يتمتع بها الناس واقعٌ ملموسٌ في حياتهم .


والرب في الكتاب المقدّس هو الإله الرحيم ، هذا هو الاسم الذي ظهر به ، والذي كشفه لموسى النبي في سفر الخروج " الرَّبّ إلهٌ رَحيمٌ ورَؤُوف، طَويلُ الأَناةِ كَثيرُ الَرَّحمَة والوَفاء"(34، 6) أما القدّيس بولس فيقول عن الرب الاله: "إن كنتَ أنت غير أمين، فهو سيظلّ أمينًا لأنّه لا يُمكن أن ينكر نفسه(2 تيم 1، 11- 13) فالأمانة في الرّحمة هي وجود الله ذاته. كذلك تقول المزامير (51-1-2) أرْحَمْنِي يَا ٱللهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ ، حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ ٱمْحُ مَعَاصِيَّ. ٱغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي". لذا فالإنسان لا يمكنه أن يعيش بدون رحمة. وهو لا يحتاج إلى شهادة جامعية لخدمة الناس، بل يحتاج إلى قلب مليء بالرحمة والى روح يغمرها الحب، وهكذا فأن الحب والرحمة هما من الضروريات وبدونهما لا يمكن للإنسانية أن تنجو وتخلص ،مع الاشارة الى أنه يمكن أن نكون أقوياء بالمعرفة ولكننا لا نصبح بشراً إلا بالرحمة!

نقولا ابو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0