· 

بين الارتواء بالكلام والاحتواء, وإهتمام أمي

من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء  6 وأخير
من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب "جزء 6 وأخير


يسعى جميع الناس في هذه الحياة للحصول على الاهتمام والاحتواء ممن حولهم من خلال البحث المتواصل عمّن يقدم لهم الأمان والاطمئنان , ذلك أن الإنسان بطبعه غير كامل وفي داخله نقصٌ لا يملأه إلاّ الاهتمام.  وهكذا فأن فقداني للشعور بالامان في وطني لبنان لسنوات طويلة جعلني أتقبل بامتنان كل الصعوبات والتحديات التي واجهتني  ، وتمكنت فعلاً من تجاوزها بمعونة إلهية ، أضف الى ذلك فقد تكون يد الله قد منحتني طاقة إيجابية في زمن الخيبات لتساعدني في الصمود وحل مشاكلي العملية ومشاكل من حولي وإسعادهم وجعلهم يبدون في حال أفضل عبر إظهار إيجابياتهم للغير والظهور بأبهى صورة ممكنة، مضيفاً لمساتي الإنسانية على من وضعني الله في طريقهم 


آمنت مؤخراً بأن الاحتواء هو أساس العلاقات بين البشر وبدونه الحياة ليست إلاّ عذاباً !لذا دعوني أقر لكم أن من لا يستطيع احتواء الهفوات الصغيرة ممن حوله لا يستحق التمتع بحنانهم الكبير ! ومن المؤكد أن مصاعب الانسان تهون حين يجد قلباً يحتوي الامه بحنان! فالاحتواء هو تحويل هموم من حولنا الى سلام وأمان ، فجميعنا نبحث في اوقات ضعفنا عن من يواسينا ويحتوي ضعفنا البشري فالاحتواء الحقيقي تثبته الأفعال لا الأقوال ! وعلينا أن لا نكذب على من وثق بنا ، وفي المقابل أن لا نثق في من كذب علينا ! ومن المؤكد أنه لا عيب في ذلك، فنحن بشرٌ ولدينا الكثير من النواقص التي نحتاج لأن نملأها بالعطف ،  فالإنسان مهما حاول الاكتفاء بذاته فإنه لن يقدر أن يعيش وحيداً ، فالاهتمام حين يأتي ممن نحب يكون له طعمٌ مختلف.


والاحتواء هو نفسه الاهتمام لكن بمراحله الأسمى والأعمق ، ولعل أجمل ما في الاحتواء هو الإحساس بأن هنالك شخصاً ما يهتم لأمرك! ولكن يشترط في الاهتمام أن يأتي في الوقت المناسب ! على أن إحتواء الناس لاحزان بعضهم يجب أن يكون في لحظات الضعف والإنكسار، وفي العادة فأن من يهتم بصدق يكون قادراً على أن يحتوي بصدق! وقلة الاهتمام تمزّق الروح بينما الاحتواء يشفيها ، وكل إهتمام بمن حولنا  يعكس قيمته في قلوبنا ، فالاهتمام لا يمكن تسوله فإما أن يكون نابعاً من أعماق الشخص أو لا يكون ! ولطالما كان الاحتواء الخيار الأفضل لإعادة إحياء ما مات في قلوبنا بعد سنوات عُجاف! وفي تجربة شخصية أعترف لكم انه ما من شخص في هذه الحياة استطاع أن يحتويني كما فعلت أمي.. لا أحد أبداً ، معها وحدها عرفت معنى الاحتواء والاهتمام لأول مرة في حياتي، وبقربها ذقت أجمل مشاعر  الاهتمام واللهفة وخلدت للراحة من همومي في ربوع حنانها لسنوات ، وبوجودها كنت أشعر بأجمل الاحاسيس المؤثرة ، ومعها اكتشفت السرّ الوحيد للاحتواء وهو الاهتمام..

نقولا ابو فيصل ✍️ 

(الصورة من الارشيف لحفل توقيع الجزئين الاول 

والثاني من كتابي "عن لبنان لماذا اكتب" اذار 2022)

Write a comment

Comments: 0