· 

بين المكان الخطأ والشخص الخطأ … وضياع العمر


حين تَظلمك الجغرافيا وتُولد في المكان الخطأ من العالم  ماذا عساك أن تفعل ؟ وماذا عساك أن تقول امام الصورة القاسية التي رسمها الكاتب الروسي تشيخوف وهي صورة "ضياع العمر" بكل أشكاله ؟ كأن يضيع العمر مع الشخص الخطأ والمكان الخطأ والعمل الخطأ والخيارات الخاطئة، وكأن يصبح حالك حال العشار في إنجيل لوقا 18: 13  الذي وقف من بعيدٍ ، لا يشاء أن يرفع عينيه الى السماء ، بلّ قرع على صدره قائلاً: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي أنا الخاطئ ! وهكذا هو حالنا في لبنان فقد صرنا في كل صباح نردد مع هذا العشار عبارته الشهيرة ، ونسأل الله ان لا يجعلنا نخطئ في أختيار الأشخاص وأن لا يضع في طريقنا من يحمّلنا ظلماً يثقل اعناقنا ويجعلنا نحمل وزر هذا الشعور المرير ، فالله هو  الأمان الوحيد في فوضى هذه الحياة وفواجعها التي لا تنتهي ومنه نسأل العفو والعافية!


يقول الامام علي بن أبي طالب "أن الفقر في الوطنِ غربة ، والغـنى في الغربة وطـن "وهكذا كأن تُخلص أنت في عملك عشرات السنين فلن يعني لك هذا شيئاً في المستقبل يا صديقي ، بل لن يشكرك عليه أحد ، ولن يعرف أو يعترف أحد بتضحياتك ، فهكذا تكون في المكان الخطأ ، وكأن يكون لك  صديقاً تغيره الايام والسلطة ولا يعود كما كان ، لكنك تبقى صديقاً مخلصاً له رغم أنفك ، وهنا  تكون مع الشخص الخطأ .وكأن تمضي اجمل سنوات عمرك في أنتظار اصطلاح الامور في بلادك وأنت تعلم أن نسبة حدوث ذلك تتساوى مع نسبة انجاب الذكور للاطفال وهذا من المستحيلات ! ورغم ذلك تقنع نفسك أن الرزق سوف يأتيك الى مكتبك وأن كل الأمنيات سوف تتحقق عند كل مفصل من مفاصل السياسة الوسخة في بلادك  ، فهذا يعني انك امام القرار الخطأ بل الرهان الخطأ ، فالرزق رزقان رزق يأتيك ورزق تذهب لجلبه كما وصفه الامام الناطق بالصواب والحِكم  .


أو كأن تدفع الثمن باهظاً لقرار أتخذته في حياتك بالبقاء في الوطن والذود عن ترابه لانك توقعت يوماً  أن حكامك سوف تدخل الرحمة الى قلوبهم  ! فإذا بك ترى عمرك كله يتشح بالقلة وفقدان البحبوحة نتيجة هذا القرار ، وكأن يضيع عمرك وأنت تنتظر أن تتخلص من حكام المال وحزب المصارف وأن تعود اليك أموالك المحجوزة كي لا نقول المنهوبة ، وأن تعيش كما ينبغي سنوات عمرك المتبقية ، وهنا نكون امام خيارات خاطئة ! وفي الحياة قد تمتلك سلطة لا بأس بها ، لكنك لا تمتلك سلطة على قلبك فهو ينبض لمن يريد وحيثما يريد وربما لبلاد ليست بلاده حيث وجد الاحترام والتقدير لك كأنسان ! وهناك في هذا البعيد تغمض عينيك ، لكنك لا يمكن ان تغلق منافذ قلبك عند تعلق روحك بتلك الارض وتفشل كل محاولات إبعاد روحك عن مدار عشقها ، ويقضى الله الامر بعد ان تكتشف انك امام دروسٍ في الحياة لم تتعلمها بعد ، أولها كان أن تضع كل إنسان في حجمه الطبيعي .

نقولا ابو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0