· 

بين التواضع والغرور والمناصب


غالبًا ما يُنظر إلى التواضع والغرور على أنهما طرفان متضادان في شخصية الانسان ، وعادة ما يتم الإشادة بالتواضع بإعتباره فضيلة في حين يتم انتقاد الغرور بإعتباره عيب في الشخصية. ومع ذلك، هناك علاقة متناقضة بين هاتين السمتين ففي بعض الحالات، يمكن اعتبار التواضع جانبًا آخر من الغرور والغطرسة لوجود علاقة معقدة بينهما مما يسلط الضوء على كيفية ظهور أحدهما بوجه الاخر . وإذا كان التواضع يتحقق من خلال تقييم ذاتي صادق يقوم به الانسان ويخوله الاعتراف بأخطائه ، فأنه غالبًا ما يكون الشخص المتواضع منفتحاً على التعلم من الآخرين، فالتواضع يعزز شخصية الانسان ويؤسس لعلاقات صحيحة بين الناس. لكن لا يخفى على احد ان التواضع قد يكون في بعض الاحيان حجابًا رقيقًا يخفي الكبرياء ،  لذا من الضروري معرفة الدوافع وراء هذه الصفات والسعي لتحقيق التواضع الحقيقي الذي يساهم في نمو الشخصية الحقيقة للانسان لقيام علاقات سليمة.


من ناحية أخرى، يتميز الغرور او "الغطرسة" بإحساس متضخم بأهمية الذات عند بعض الاشخاص وعدم توفر الرغبة عندهم للاستماع إلى الآخرين والميل إلى إعتبار أنفسهم متفوقين عليهم . وغالبًا ما يقلل الأفراد المتغطرسون من شأن الآخرين ويرفضون قبول النقد، ويظهرون موقفًا سلبياً من ذلك. ويمكن للغطرسة أن تؤدي إلى توتر العلاقات بين الناس واعاقة  التطور الشخصي والمهني عندهم ، وتظهر العلاقة المتناقضة بين التواضع والغطرسة عندما نفحص الدوافع والتعبيرات الأساسية لهذه السمات. وفي بعض الحالات، فأن ما يبدو انه تواضعٌ قد يكون في الواقع مظهرًا من مظاهر الغطرسة الخفية او ادعاء بالتواضع ، وهذا هو التواضع الزائف حيث يظهر البعض متواضعين ظاهريًا ولكنهم مدفوعون بالرغبة في لفت الانتباه والإعجاب ، وهذا شكل خفي من اشكال الغطرسة، لأن هؤلاء يستخدمون التواضع المزيف كأداة لتحقيق مكاسب شخصية. وغالبًا ما تنبع الغطرسة من انعدام الامان الحقيقي والأنا الهشة ،ومن المفارقات أن بعض الاشخاص المفرطين في التواضع قد يصبحون عدوانيين بعد استخدامهم التواضع واجهة للتلاعب والهيمنة.


ولتجنب الوقوع في فخ الخلط بين التواضع والتغطرس ، فأنه من الضروري تحقيق توازن من خلال الوعي الذاتي حيث يمكن للتأمل الذاتي المنتظم أن يساعد الانسان على فهم دوافعه والتأكد من أن تواضعه حقيقي ٌوليس واجهة لتحقيق المكاسب الشخصية.كما أن الانفتاح الذهني من خلال تقبل ردود فعل الاخرين والاستعداد للتعلم منهم بدلاً من التظاهر بتقبل وجهات نظرهم يساعد في تحقيق التواضع الحقيقي ، ومن الجيد عدم استخدام  عادات بعض اللبنانيين وبعض الشعوب المجاورة للبنان في التواضع المزيف على طريقة "تمسكن لتتمكن" فالافضل العودة الى الأصالة اللبنانية وتجنب استخدام التواضع كأداة للتلاعب بالناس أو السيطرة عليهم، كذلك يتوجب على الانسان وضع احتياجات الآخرين ومشاعرهم قبل احتياجاته ومشاعره . وفي الحالات التي نرى فيها الانسان المتصالح مع ربه ومع ذاته أكبر من المناصب التي يشغلها ويكون اكثر تواضعًا وإنتاجاً، ونجده مغروراً أحمقٌ عندما تكون المناصب أكبر منه ، وفي الختام نلفت انتباه البعض عدم الجمع بين العزة والغرور وبين التواضع والمذلة وبين التسامح والضعف وبين حسن النية والسذاجة .

نقولا ابو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0