· 

عادات وتقاليد وطقوس الدفن في ارمينيا


أنشأ الأرمن طقوساً مسيحية لدفن موتاهم على مر العصور , ومع تحّول أرمينيا إلى جزء من الاتحاد السوفياتي اضطر الشعب الارمني إلى تبني طقوساً ملحدة للدفن على مدى سبعين عاماً ، ورغم أن هذا البروتوكول يحتوي على عدد من عناصر طقوس الدفن المسيحية التقليدية: وهي الراحة، دفن الذات البشرية ,جناز السابع ,الأربعين والسنة ، إلا أنه كان محاولة لإبعاد المتوفى عن خلاص يسوع المسيح  لكن كيف يؤدي الأرمن طقوس الجنازة اليوم؟ في البداية يجتمع أقارب المتوفى وأصدقاؤه ويحسبون مقدار الأموال اللازمة للجنازة ، وبما أن المبالغ المحسوبة لا يمكن تحملها بالنسبة لغالبية الأرمن، فإنهم يضطرون إلى الاقتراض ، تبدأ مراسم الدفن بإرسال الجثة الى المشرحة لتجويفها وتفريغها من الاحشاء  وعند إخراج التابوت من المشرحة يجري ضربه بالباب المغلق ثلاث مرات مع حظر حضور النساء في المشرحة ، ثم يتم نقله إلى الخارج ووضعه على طاولة معدة مسبقاً لالقاء نظرة الوداع على الراحل ، ثم ينقل التابوت ويوضع  حجرٌ في مكانه، وفي بعض الحالات يقومون بتدويره ثلاث مرات في الهواء , ثم يتشكل الموكب الذي يقوده الرجال الى المقبرة , ومع انتهاء  المراسم الجنازة يقوم مدير الجنازة المعين بدعوة الجميع إلى وليمة العزاء، ويتكون الطعام من اللحوم المشوية والمشروبات الروحية ،حتى أنك تظن نفسك في موائد الفرح من كثرة الترف و"الشراهة" في تناول الكحول للدلالة على الحزن ولجعل الأهل ينسون فقيدهم ، وبعد الانتهاء يعلن رئيس المائدة الجنائزية أو أحد أقارب المتوفى الحداد لسبعة وأربعين يوماً .


ويُعد الاحتفال بمراسم دفن المتوفى شرطاً إلزامياً ويتم تجهيز القبر باتجاه الشرق؛ لان الخلاص سيأتي من المشرق بفضل يسوع المسيح. ولأن إعداد وتحضير القبر مكلفٌ يتم الاستدانة كما ذكرت ويتم إعادة الأموال للدائنين من المساعدات المالية التي يتم جمعها خلال مراسم الجنازة ، وبالارقام فإن المطلوب لاقامة جنازة هو بحدود 2 مليون درام اي 5 الاف دولار . ويمكن سداد الدين من الراتب التقاعدي الذي يحصل عليه اهل المتوفى بحدود 150 الف درام شهرياً.ويعتقد الأرمن أن الإنسان يتكون من جسد ونفس وروح ، وعندما يموت الإنسان، تنفخ النفس، وتودع الروح ويعود الجسد لاصله من خلال دفنه بالتراب ، أما الروح فهي تعيش للمسيح ولا يُنظر إلى الموت أنه انقطاع عن الحياة ، بل هو عودة إلى حياة جديدة أكثر وفرة في حضور الله ،  لهذا السبب لا ينبغي للمسيحي الأرمني أن يبكي على المتوفى، وأن يذرف دموعًا بل يجب أن يرافق جثمانه  إلى القبر بالإيمان والصلاة، لأن الميت سوف ينتظر التجديد الكامل بنعمة الله. ووفقاً للتقاليد الأرمنية، تتكون طقوس الدفن من ثلاث مراحل : غسل المتوفى وإلباسه في المشرحة من قبل أهله وقراءة الصلوات عليه ، ثم نقله إلى الكنيسة في موكب مهيب ووضعه أمام الباب ، وإذا كان المتوفى كاهنًا، يوضع  أمام الهيكل . ويعلق الأرمن أهمية كبيرة على موكب الجنازة من المشرحة إلى المقبرة، والتي يتم تصورها رمزياً على أنها انتقال إلى الله ، اشارة الى ان الكنيسة الارمنية تمنع البكاء والنحيب ،كما تمنع النساء من مواكبة الجنازة الى القبر ، ولا يسمح لهن بحضور دفن الميت في التراب لأن المرأة هي رمز الحياة، ولا ينبغي لها أن تشارك في دفن الجسد في الأرض .


في هذه الايام يشارك الأقارب والأصدقاء في الموائد الجنائزية التي توافق عليها الكنيسة شرط أن تكون بسيطة وسهلة الهضم ،ويُطلق على اليوم التالي للجنازة اسم "aiguts" وهو مشتق من كلمة "aigabatz" واسمها الشائع "svovland"يستند الى الكتاب المقدس حيث أنه بعد دفن المسيح، ذهبت النساء إلى القبر لسكب البخور والزيت على جسد المسيح . ووفقًا لذلك  تذهب النساء اللواتي لم يشاركن في مراسم الدفن مع اهل الفقيد والأقارب والأصدقاء إلى المقبرة في الصباح للصلاة من أجل خلاص روحه وتبخير القبر  ، بعدها يلتقي الجميع حول المائدة الجنائزية وعلى رئيسها أن يذكر ثلاث مرات إلزامية المتوفى بتلاوة العديد من الاقتباسات من المشاهير لجعل الخطاب رائعاً . ويقول احد اساقفة ارمينيا :  أعتقد أن الوقت قد حان لمعالجة ظاهرة الافراط في طقوس الجنازة ويجب تنظيمها ، كما يحدث في العديد من الدول ، على سبيل المثال، في قيرغيزستان  اعتمدوا قانوناً ينص على أن لا يتجاوز قيمة الأموال التي يتم إنفاقها على حفلات الزفاف والجنائز 500 دولار وتغريم المخالفين بمبلغ الف دولار ، كما تم اعتماد قانون مماثل في طاجيكستان بمبادرة من رئيس البلاد حيث تم تحديد عدد الضيوف في حفل الزفاف وعدد السيارات المواكبة للعرسان، فضلا عن عدد الأطباق التي يمكن تقديمها. وبفضل هذا الإصلاح حقق سكان طاجيكستان أكثر من مليار دولار توفير في غضون عامين فقط من 2007-2009.

بحث نقولا أبو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0