· 

بين وطن تولد فيه ووطن يشعرك انك حيّ

من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا اكتب“جزء ٥
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا اكتب“جزء ٥


الوطن الذي وُلدت فيه إسمه لبنان والوطن الذي اشعر فيه أنني حيّ هو أرمينيا , وعذراً على صراحتي ولا احد يزايد على محبتي لوطني لبنان ! لكن الوطن من وجهة نظري ليس المكان الذي تولد فيه فقط  ، بل المكان الذي  تجد فيه العدالة والكرامة والحرية ، فوطن ﻻ يمنحك الحياة الكريمة ليس وطناً ،  ووطن لا يحمي ابناءه لا يستحق أن نسميه وطناً ، والسؤال هل للمواطن اللبناني قيمة في نظر  حكامه بعد ان تم حذفه وهو حيّ من لائحة المواطنية في وطنه ؟ وهل للمواطن أن يكون محترماً في وطنه بعد ان نال أكبر جرعة إهمال وعدم اكتراث وبعد أن أحتجزت امواله من قبل حزب المصارف اللبنانية ؟ بالتاكيد فأن المواطن اللبناني يعيش غربة في وطنه وخيبة أمل كبيرة بعد ان ترسخ في تفكيره أن ما حدث ويحدث في لبنان لا يمسه لا من قريب ولا من بعيد، مع قناعة شعب بأكلمه بأن وطنهم يُدار من قبل بعض اللبنانيين لمصلحة الآخرين ، وفي الاخير يجد المواطن الادمي نفسه أمام خيارات كلها لا ترضيه. 


يقول الكاتب المصري نجيب محفوظ "وطن المرء ليس مكان ولادته بل المكان الذي تنتهي فيه كل محاولاته للهروب" وحين سأل  : كيف تنتهي المحنة التي نُعانيها ؟ أجاب: إن خرجنا منها سالمين فهي الرحمة، وإن خرجنا منها هالكين فهو العدل ، وعلى أمل أن نخرج من المحنة بما تبقى لنا من كرامة حيث أن كثيرين منا باتوا يشعرون وهم يتنقلون في وطنهم بأنهم باتوا غرباء فيه ويرددون في قلوبهم "انا لا انتمي إلى هنا"، وفي مراجعة ذاتية يراجع فيها المواطن اللبناني اليوم ما له وما عليه ، وما خسر وما ربح ، بعد هذا الكم من الأحداث التي عصفت بهذا الوطن، ووجد نفسه خاسرًا في كل شيئ للاسف ، ولا غرابة في لبنان إن وجد المواطن اللبناني انه بلا قيمة وبلا طموح مع تحول احلامه الى مشاريع مؤجلة لا يحسن فيه أن يضع لها مدة زمنية لاعتبارات متعددة أهمها إنه يشعر بين الحين والآخر بأنه بلا فائدة ، وقد يتعاظم ذلك الشعور الذي يعطيه إشارات بأنه أصبح مواطناً من الدرجة الثانية وربما الثالثة ليصبح في النهاية غريباً في وطنه .


‎نعم أن يصبح اللبناني غريباً في وطنه هو عندما يتجه في تفكيره صوب اللاشيء بعد أن يتبين له جلياً أنه خارج حسابات القابعين في السلطة المتسترين بالدين والاحزاب ومختلف التسميات ، أن يكون غريباً في وطنه هو حين يفترش الارض أمام المصارف والدوائر الحكومية لتحصيل حقوقه الضائعة  ، أن يكون غريباً في وطنه هو عندما يجد من ليس له قيمة يتحكم بمصيره ، لا بل اصبح هو صاحب القرار عنه، أن يكون غريباً في وطنه هو عندما يشاهد التحول الديمغرافي في مدنه وقراه ، وكأن ما يحدث هو  في عالم آخر لا يمكنه فعل شيئ تجاهه سوى ان ينتظر من يقرر نيابة عنه ، أن يكون غريباً في وطنه هو عندما يجد نفسه قد تحّول الى إنسان عاجز لا يفكر ابعد من خطوات قدميه ، وقد يتم اتهامه بالعمالة اذا ما اعترض على سوء أو خطأ، وبات يفكر بالهجرة عندما وجد مضمون حياته عبارة عن تساؤل فحواه كيف يوفر لقمة العيش لا غير؟ وكيف يكون من ضمن الناجين من صراع الأحزاب وظلمها، خاصة عندما يجد أن أرقاماً خيالية صرفت ولا تزال تصرف كانت لو أُحسن صرفها أن تحول لبنان الى أروع ما يتصوره اللبنانيون ، لكنها وببساطة تامة أعطت عنواناً آخراً لا يمت لمستقبله بصلة.

نقولا أبو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0