· 

بين ما نقوله وما نفعله … وأزمة القيم

‎من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا اكتب“جزء 5
‎من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا اكتب“جزء 5


حاول الفلاسفة وعلماء النفس تعريف الإنسان وتحليل عالمه الداخلي من منظور الحاجة للدين واستحالة الاستغناء عنه ، وأجمعوا على وجود منظومة معقدة داخل النفس البشرية مكونة من رغبات وحاجات يؤدي إطلاقها دون قيد أو شرط إلى أذية الآخرين، فإذا استمرت هذه الأذية فإنها ستكون كالنار المحرقة المتعاظمة، لا تتوقف حتى تأتي على الجنس البشري كله، لذلك أرسل الله الأديان لحفظ الناس من أنفسهم، وتحقيق التوازن في المجتمع ، والامن والديمومة للجماعات البشرية ، ورغم ذلك نرى غياباً شبه تام لقيم الحق والخير والجمال وحلول قيم سلبية ومنفرة لا يرضى بها الدين ولا يوافق عليها العقل ولا يقبلها الوجدان.


بدوره الفيلسوف الإنكليزي "توماس هوبز" كتب قائلاً أن "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان" وهنا العجب كيف اختل لدى بعض البشر ميزان القيم السامية التي تدعونا إلى فعل الخير لكل الناس وفي كل الأوقات ، لصالح قيم أخرى من عالم متوحش وعدواني حيث الكل متربص بالكل ومستعد للقتال والتسبب بالأذى، على أن السبب الاول وراء ازمة الاخلاق التي تعيشها المجتمعات اللبنانية يرتبط بالهوة التي تفصل بين ممارساتنا لإيماننا وتديننا من جهة، وبين تعاملنا مع بعضنا من جهة أخرى، وبدون شك فقد صدق القائل في وصفه لشعوبنا هذه "بأننا متدينون جداً وفاسدون جداً ".


ويبدو غريباً للناظر في أدياننا السماوية كافة ، كيف أنه لا يجد فيها إلا ما يحثنا على العمل الصالح والمسامحة وحسن التعامل ولكن الغالبية ورغم ادعائهم بالتزام الديني أرى العجب في سلوكهم اليومي والتعامل فيما بينهم، وأدهش من شدة نفاقهم وجرأتهم على أذية بعضهم، واستسهالهم لمشاعر الكراهية والحسد وإلحاق الضرر بغيرهم، وفيما يمارس كثيرون في مجتمعاتنا نوعاً من الانفصام في الشخصية في سلوكهم اليومي فهم يعيشون بشخصيتين متناقضتين: الأولى ظاهرها الالتزام بالتدين والعبادة والحرص الشديد عليها، والثانية تخفي سوء المعاملة وأذية الناس وظلمهم وأكل حقوقهم , ولا يجوز برأيي أن يؤخذ من الدين نصفه ويُترك نصفه الآخر ، وما السبيل إلى حل هذا التناقض بين القول والفعل؟ 

نقولا ابو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0