· 

ناصيف خوري … الشجرة المثمرة


‎عَرَفتُ هَذا الرَّجُلَ مُنذُ ثَلاثينَ عامًا حينَ كانَ يعملُ في تِجارَةِ التَّجزِئَة وبَعدَها في الإعلاناتِ وكُنتُ أراهُ سَعيدًا دائمًا بِعَمَلِهِ ، حَتّى وقَعَ الإنهِيارُ الإقتِصاديُّ والماليُّ وقَرَّرَ أن يَشتَريَ مَصنَعًا صَغيرًا في بَلدَةِ نابيه لِصِناعَةِ العُطورِ ، وأن يَمتَهِنَ الصّناعَةَ ويَقوم بِبِناءِ هَذا المَصنَعِ الّذي نَفتَتِحُهُ اليَوم ! لِناصيف خوري أقولُ :  "في الصّناعَةِ يا صَديقي لا يوجَدُ سَعادَةً دائِمَةً ، بَل أيّامُنا مَجبولَةٌ بالشَّقاءِ ، وما أنصَحُكَ بِهِ الآنَ أن تَتَعَوَّدَ عَلى التَّأقلُمِ مَعَ  الشَّقاءِ ، وأن تَتعَلَّمَ التَّحَكُّمَ بِهَذا القَدرِ مِنَ السَّعادَةِ وهَذا القَدرِ مِنَ الشَّقاءِ ، وأن تَبدَأَ التَّعَوُّدَ عَلى الرّوتينِ الإداريّ القاتِلِ والقَوانينِ البالِيَةِ والإتّفاقاتِ التّجارِيَّةِ المُذِلَّةِ ….والتَّأخيرِ في إنجازِ المُعامَلاتِ ومشاكِلِ المَرفَأ … وخَيرًا فَعَلَتِ الأزمَةُ الإقتِصادِيَّةُ الّتي ضَرَبَت لُبنانَ رُغمَ قَساوَتِها عَلى البِلادِ والعِبادِ في إنعاشِ الصّناعَةِ ، ورُبَّ ضارَّةٍ نافِعَةٍ في خَفضِ فاتورَةِ الإستيرادِ ومَنعِ إغراقِ الأسواقِ ، والغَريبُ ! وأنتَ الأدرى يا مَعشَرَ الصّناعِيّين  أنَّكَ ما كُنتَ تَرى صِناعِيًّا سَعيدًا ولَو أظهَرَ سَعادَةً فَهيَ مُنَغَّصَّةً ورُغمَ ذَلِكَ عَزمتَ وأصَرَّيتَ أن تُصبِحَ صِناعِيًّا!


‎نَعَم أنتَ شَجَرَةٌ مُثمِرَةٌ …بَل مِثالٌ لِلبُطولَةِ والصُّمودِ في زَمَنِ الإنكِفاءِ والهُجرَة  ، وسَوفَ نَعمَلُ سَوِيًّا يَدًا بِيَدٍ لِحَثّ الشَّبابِ اللُّبنانيّ عَلى التَّخَلُّصِ مِنَ الإحباطِ ، الخَوفِ والشُّعورِ بالذَّنبِ ، وكَذَلِكَ القَضاءِ عَلى الكَسَلِ في مُجتَمَعِنا والّذي أصبَحَ لَهُ وُجوهٌ عَديدَةٌ هَذِه الأيّام  ، أنصَحُكَ بعَدَمِ السَّماحِ للإحباطِ وأتباعِهِ بالتَّسلُّلِ إلى حَياتِكَ ، كَذلِكَ مَنعِ أصحابِ الإنفِعالاتِ الحَزينَةِ مثلَ الغَضَبِ الجَشَعِ ، التَّذَمُّرِ والكَراهِيَة بالإقتِرابِ مِنكَ ، فالإنسانُ المُتَذَمّرُ يا صَديقي لَدَيهِ مَشاعِرُ وإنفِعالاتٌ تُؤدّي بِهِ إلى حُزنٍ دائِم ،  وتَراهُ يَعيش في حالَةٍ مِنَ الإرتِباك لا يُمكِنُهُ أن يَتقَدَّم وأن يَعيشَ الحَياة.


‎ناصيف خوري عَقلُكَ وجَسدُكَ وروحُكَ في زحلة ، وهَنيئًا لِعاصِمَةِ الصّناعاتِ الغِذائِيَّةِ بِكَ ، وهَنيئًا لِزحلَة بِمُقاتِلٍ شَرِسٍ قادِمٍ …وقَبلَ الخِتامِ يا صَديقي فإنَّ فرزَ النُّفوسِ مِثلُ فَرزِ الصُّخورِ فيها الثَّمينُ وفيها الحَجَرُ وبَعضُ الرّجالِ مِثلُ بَعضِ الشَّجرِ جَميلُ القَوامِ وشَحيحُ الثَّمَرِ ، وبعضُ الوعودِ مِثلُ بِعضِ الغُيومِ قَويُّ الرُّعودِ شَحيحُ المَطَرِ ، وكَم مِن ناصيفٍ بِقلبِ أسَدٍ وكَم مِن مُتمَوّلٍ كَواهُ الضَّجَرُ …مَعالي الوَزير أيُّها الحُضور : ناصيف خوري بَحثَ في نَفسِهِ عَنِ الجَواهِرِ وجَعَلَ وَعدَهُ بِبِناءِ مَصنَعٍ يَليقُ بِزحلةَ ليسَ رعدًا بِدونِ مَطَرٍ وخالَفَ بِذلِكَ آراءَ كَثيرينَ مِنَ النّاسِ بَرقُهم ورَعدُهم بِدونِ مطَرٍ ، وصارَ هو الشَّجرةُ المُثمِرَةُ الّتي سَوفَ نَمنَعُ في تجَمُّعِ الصّناعِيّين رَشقُها بِحَجَرٍ ،  ناصيف اختارَ البيئةَ الصَّحيحَةَ للصّناعَةِ كذَلِكَ أجادَ اختيارَ الأشخاصَ وأصحابَ الكَفاءاتِ للنُّهوضِ بِصِناعةٍ جَديدةٍ في مَدينةِ زحلَة بَعيداً عنِ الخَوفِ والتَّرَدُّد … مَبروكٌ لكَ 

‎ ✍️ نقولا ابو فيصل

Write a comment

Comments: 0