· 

من ممثلة، الى مخترعة، الى امرأة بلا طعام


 ولدت “هيدي لامار” في النمسا في العام 1914 حين كانت الأجواء تُنذر بنشوب الحرب العالمية الأولى، لأبوين يهوديين، حرصا على أن يطلعاها على الكتب منذ صغرها، حيثُ قالت  ذات مرة: “كان أبي حريصا على أن أتعلم كيف تدور الأشياء، ما بين آلات الطباعة وعربات الترام الكهربائي” انتقلت الى هوليود ودخلت إستديوهاتها وهي في السابعة عشر من عمرها ، وقامت ببطولة فيلمها الأول “النشوة/Ecstasy”، والذي أعتبره النقاد إباحياً لكنه دفعها نحو الشهرة ، وفي سن التاسعة عشر تزوجت من صانع الأسلحة "فريدريتش ماندل " ولكن هذا الزواج  جعلها تشعر أنها سجينة ذلك الكهل الواسع الثراء ، فزواجهما جاء بتخطيط من والديها وليس عن حب، لكنها حاولت التأقلم مع الوضع، وكانت ترتاد مصانعه وتزور شركاته حتى اتسعت معارفها وتعمقت خبراتها عن صناعة السلاح من جوانبها التقنية والتجارية والسياسية على السواء .


جمعت فاتنة هوليوود بين جاذبية الأنثى وقدرتها على التمثيل وطموح المرأة المثقفة والشخصية المتمردة ، وصممت على طرق أبواب العلم والتكنولوجيا للوصول الى الابتكار والاختراع ، وهكذا كانت "هيدي " تعيش في عالمين مختلفين تماماً، شخصية صباحية تعمل في الفن والتمثيل وتؤدي دور “دمية هوليود الغبية” وحين تنطفئ الأضواء تذهب إلى مختبرها الصغير الممتلىء بالأدوات العلمية الدقيقة ، والموجود في بيتها الفاخر بأحد أحياء هوليود وتتحول إلى شخصية رصينة وجدية ، ولم تكن  هذه الفتاة الجميلة تأوي في سكون الليل إلى مختبرها لاختراع أحد مساحيق التجميل أو الصابون ولكن لاختراع أجهزة حديثة تنتمي إلى علم البحث اللاسلكي .


في العام 1942 تقدمت "هيدى لامار" وصديقها عازف البيانو "جورج أنثل" لنيل براءة اختراع عن فكرة تصميم نظام اتصالات لاسلكي يصعب اختراقه والتنصت عليه، وتعتمد الفكرة على تغيير تردد الموجة اللاسلكية الحاملة للإشارة بطريقة شبه عشوائية، بحيث يصعب على أى طرف غير المرسل والمستقبل تتبع الأمر، وأطلق على هذه الطريقة مصطلح “القفز الترددي” ، ورأى  العلماء وقتها أن هذه الفكرة هي نواة اختراع أجهزة التليفون المحمول والتقنيات اللاسكلية “البلوتوث والواي فاي”، ولا تزال المانيا و النمسا وسويسرا تحتفل كل عام بعيد ميلاد هذه المرأة  في يوم المخترع تكريماً لإنجازاتها العلمية ، لكن المؤسف أن نهاية "هيدي لامار " كانت حزينة جداً بل مآساوية، حيث عاشت أواخر حياتها فى فقر وبؤس ، وكانت تسرق قوتها اليومي من محلات البقالة، وانتهى بها الامر في السجن بعد أن أدمنت المخدرات ، الى أن توفيت في العام 2000 وحيدة  عن عمر يناهز 86 عاماً ، تاركة وراءها قصة ملهمة لامرأة جمعت في حياتها  كل شيئ.

بحث نقولا ابو فيصل ✍️