· 

بين فزاعة العصافير في حقول القمح والدول الفزاعة وصناعة الخوف

يُحكى انه في ماضي الزمان كانت العصافير تخشى فزاعة الحقل وتظنها شيطاناً ،وظلت العصافير تكتم أنفاسها حتى تجرأ عصفور صغير وقام بنقر رأس الفزاعة ولم تصبه باذى ، ومنذ ذلك اليوم تعلمت العصافير الزقزقة وفكرت الفزاعات في الانتحار وفازت العصافير بجرأة عصفور واحد , وهكذا هي الحياة يا أصدقائي تبدأ بخطوة … ورغم ان البعض لا يزالون يعتقدون أن العصافير لن تتورع عن مهاجمة سنابل القمح في حقولهم إن لم يتم وضع فزاعة عند مداخلها ، لكن التجربة اللبنانية علّمت الجميع انه اذا اردت أن تزرع الارض وتأكل من خيرها يجب أن تذود شرور الطامعين عن سمائها ومائها فالسنابل التي لا تسندها بندقية الزارع تسرقها بندقية الطامع والشاطر يفهم…. وقد انتشرت الفزَّاعة تاريخياً انتشاراً شعبياً واسعاً منذ أزمة الركود الاقتصادي الكبير في أميركا في العام 1930 وصولا لما بعد  الحرب العالمية الثانية، حيث انتقلت الزراعة إلى عالم الأعمال الكبرى ، ولم تعد الفزَّاعة تفي بالغرض لحماية مئات الهكتارات التي تملكها شركة واحدة مثلاً ، عندئذٍ بدأ رش المبيدات على نطاق واسع ولا سيما المبيد السام الذي اشتهر باسم "دي دي تي" الذي تم حظر استعماله لاحقاً بعدما اكتشف العلماء في العام 1960  أن استعماله ضار بمن يأكل المزروعات التي أستُخدم لحمايتها، وعاد المزارعون الى ابتكار حلول بدائية  مثل فزاعات اصطناعية تلوِّح بأذرع كالمراوح لاخافة الطيور ، ثم ابتكرت شركة بريطانية فزَّاعة آلية هي علبة ذات أذرع تقام على رأس وتد طويل وتحتوي العلبة على أغطية تنفتح فجأة كل 45 دقيقة وتحرك الأذرع صعوداً وهبوطاً ،غير أن الصوت القوي الذي تحدثه الآلة أخاف العصافير وجيران الحقول فتم صرف النظر عنها.

 

واذا كان بين الإنسان والعصافير علاقة حب ومودة تاريخية إلا أن التنافس على الطعام بين الفلَّاح الذي اجتهد في زراعة أرضه وينتظر موسم الحصاد من جهة، والطيور الباحثة عن طعامها من جهة أخرى , جعل الحاجة لنصب الفزَّاعة في حقول القمح ضرورة لحماية المحاصيل ، ومن"فزاعة الحقل" استوحت الدول الكبرى فكرة "الدول الفزاعة" حيث قامت في بعض المناطق الاستراتيجية من الكرة الارضية بتنصيب"دولة فزاعة أو دمية"  وفي الغالب تكون هذه الدولة الفزاعة دولة متهالكة الاقتصاد يطلب اليها تأدية دور الفزاعة مثل فزاعة الحقل التي تُخيف العصافير بوكالة الوهم وهي دمية ، فليس سهلاً على الاطلاق أن تخيف الشعوب دمية او فزاعة في وقت لم تعد العصافير تخاف من فزاعاتها ، وهذا في علوم صناعة الخوف وتلقيه هو أشد الماً على الشعوب من الحروب العسكرية. نقولا أبو فيصل

Write a comment

Comments: 0