· 

بين الاعتدال في المشاعر والعطاء الزائد


في حياتي العملية تعلّمت ثم تيقنت أن لا جدوى من الاتكال على أحد فكل الذين حاولت الاتكال عليهم كانوا أخفّ من غصن شجرة ، وحده الله كان لي معينًا منذ بداية حياتي المهنية حتى اليوم، وما تعلمته طيلة هذا الوقت الطويل هو ان لا أجامل كثيراً على حساب مبادئي وقناعاتي وربما أحاسيسي ومشاعري ، وربما أكون قد دفعت ثمن هذه القناعة غاليًا في مطلع حياتي حتى ترسخت لدي قناعة بأن من لا يفقه لغة العطاء لا يستحق العطاء ، كما أن  المبالغة في التواضع تجلب المذلة غالبًا،  كما أنني اكتشفت أن المبالغة  في المجاملة هي نفاق ، وهذا ما لا يتقبله الكثيرون في مجتمعاتنا الشرقية للاسف ، ويبقى ان الصدق في التعامل دون تجريح او إساءة وتجاهل المساوئ  وعدم ذكرها احترامًا لبقاء العلاقات الودية هي الطريق الناجحة لاكمال المشوار في هذه الحياة .

تعلمت ايضا انه ليس فقط المال السائب يعلم السرقة، كذلك العطاء الزائد والاهتمام الزائد، وحتى الحب الزائد يعلم استنزاف المشاعر وسرقتها ، حتى الاحترام يعلم التجاهل والخذلان ، لذلك فالاعتدال في كل شيئ مكسب ، مثال ذلك الخوف والتعلق الزائد من قبل الوالدين يفقد الطفل ثقته بنفسه ، وبهذه الأساليب يدمرون الطفل ذاتياً ، على أن اهم صفة يجب ان يعمل الوالدان لتقويتها عند الطفل هي الثقة بالنفس ، لانها هي العقبة الأولى التى ستواجهه في كل حياته وقت اتخاذ اي قرار ، دعه يخطىء في صغره، لا تقسوا عليه دعوه يكتشف بنفسه ما هو التصرف الصحيح وبهدوء.

‏ما من إنسان لم يتعرض يوما للإحساس بالخذلان ليس فقط في العلاقات العاطفية
لكن أيضا في الصداقة والعلاقات الإجتماعية والسؤال هنا لماذا يتغير الأشخاص فجأة ؟
وهل يرجح السبب ببساطة للعطاء المبالغ فيه ، ‏كالتنازل عن الحق والاهتمام الزائد وتمرير الأخطاء وزيادة التقدير، وهل يجب أن نقنع انفسنا باننا لسنا مجبرين أن نبذل كل جهدنا ونهلك سعيا لاي علاقة من طرف واحد ، لانه من الضروري  بمكان ان يسعى الطرف الاخر لذلك ، وإذا كان الوضع معاكسا ومحصورا فينا فقط، وجب التوقف عن العطاء الزائد الذي يدمرنا ويؤدي بنا الى الهلاك.

وختامها،  وجدت انه من سلبيات العطاء الزائد عن الحد الطبيعي أنه يؤدي الى أن يصبح سقفا للحق المكتسب ،  من ثم يصير بداية للطلب المتزايد ، ثم بداية النهاية للأسف . ولأن الاهتمام يخنق الانسان لدرجة لا يعود يعتمد على نفسه، فإن الإفراط في الاهتمام واهمال النفس حتى لو كان بدافع الحب والخوف عليه غير مستحب ، لذا يجب أن تترك له مساحة يكتسب من خلالها خبرة، ويعتمد على نفسه لمواجهة الحياة، فكثرة الاهتمام والخوف عليه تؤدي إلى فشله مستقبلاً، والورود تموت غالبا من كثرة المياه والري.
نقولا ابو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0