· 

بين منطق الانتقام … وعقدة التسامح

    

‎يقول الإمام الشافعي: "لما عفوت ولم أحقد على أحدِ.. أرحت نفسي من هم العداوات" وهكذا فأن دخول الانسان في معركة التسامح هو اكثر شجاعة وجرأة من دخوله في معركة الانتقام ، فلا يوجد ما يمنع الانسان من التسامح مثل خوفه من أن يفسر تسامحه أنه ضعفٌ ، وإذا اتفقنا على ذلك فإن أهم وسيلة لإشاعة استخدام التسامح بين الناس هو إقناعهم بأن التسامح قوة، وليس العكس فالتسامح أشد إيلاماً وأثقل على النفس والعقل، في الماضي كانوا يقولون أن العفو عند المقدرة من شيم الكرام، ولكن حينما يكون الظلم شديداً يميل الانسان غالباً بالفطرة إلى الرغبة في طلب العقاب فأيهما تختار صديقي القارئ التسامح أم الانتقام؟ 


‎الكتاب المقدس أجاب على هذا السؤال عبر الحث على التسامح والمغفرة في العديد من الايات نورد بعضها "فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زلاتهم يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ  (بطرس 3: 9) غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ بَلْ بِٱلْعَكْسِ مُبَارِكِينَ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ لِهَذَا دُعِيتُمْ لِكَيْ تَرِثُوا بَرَكَةً.(مَتَّى 18: 35) وَلَمَّلَهُمْ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلَا خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ!" كُولُوسِي 3: 13 مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ، فَٱغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضًا ابوكم ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ زلاتكم. وفي انجيل (لُوقا 6: 37 ) لَا تَدِينُوا فَلَا تُدَانُوا. لَا تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلَا يُقْضَى عَلَيْكُمْ اِغْفِرُوا يغفر لَكُمْ ، وإحتَرِزُوا لانفسكم ، وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ تَابَ فَٱغْفِرْ لَهُ (لو 17: 4) وإن أخطأ إليك سبع مرات في اليوم ورجع إليك سبع مرات في اليوم قائلا: أنا تائب فاغفر له (مَتَّى 18: 21-22 )حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: "يَارَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَا أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ. 


‎ومسألة التسامح بحسب رأيي الشخصي تعتمد على الاشخاص والمواقف ، ومن تجربة شخصية فأن التسامح يريح الانسان من الاثقال  ، لأن حمله للاحقاد يثقل النفس وينهك الجسم ، لذلك فأن مسامحة الانسان لمن أساء اليه يستفيد منها هو  اكثر من الشخص الذي تمت مسامحته ، فالتسامح  يكون من أجل النفس اولاً ، رغم ان هناك وجهة نظر لا اتبناها كرجل مؤمن وهي ان لا مكان للتسامح حين يكون الظلم قاسياً ولا يمكن تحمله،  وربما لا يقوى احد على صده ، فنحن نسامح يقول البعض حين نمتلك القوة للمسامحة ، ولا اعتقد أن الأمر حكيم عندما يكون الضحية تحت سطوة الجلاد ويقوم بمسامحة الجلاد ، بل يجب مقاومته والوقوف في وجهه بكل ما نملك من قوة لأن ترك الجلاد يتمادى في افعاله سوف يجعل منه بطلاً ، لهذا يجب مواجهته بكل قوة حتى زوال ظلمه ، ولكن هل هناك ضحية أعظم من يسوع ؟ وهل من جلاد أكثر ممن  صلبوه ؟ ورغم هذا سامح وطلب المغفرة لجلاديه 

‎ ✍️ نقولا ابو فيصل