· 

بين المعرفة الزائدة والمعرفة على قدر الحاجة

من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب؟" جزء 5
من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا أكتب؟" جزء 5


يقول ابن خلدون: "شعور الإنسان بجهله هو ضَرب من ضروب المعرفة"  فأن يكون الإنسان واعياً بخطأه ومدركاً لجهله بالشيء فإن ذلك يعتبر قيمة بحد ذاته ، ومن لا يدرك هذا الامر أو يتعالى عليه فسوف يساهم في تنمية الجهل وتغذية الاستعلاء ، لذا فإن من ادعى أنه قد علم فقد جهل ! ولعل الاصح في هذا الموضوع ما قاله سقراط ‏" إنني لا أعرف سوى شيئ واحد ، هو أنني لا أعرف شيئاً " !! علماً أن المعرفة الزائدة التي لا يستفاد منها عملياً  هي تشويش وحشو ويقال عنها "علم لا ينفع" وقد تكون بعض المعرفة الزائدة مؤذية وخطيرة في حالات عديدة ، وهنا يمكننا ان نفهم شعار بعض أجهزة المخابرات في العالم بأن "المعرفة هي على قدر الحاجة"! ‏


والمعرفة هي على قدر الحاجة بمعنى أنه ليس من المستحسن أو المرغوب فيه أن تعطي شخصاً معلومات أكثر من اللازم فربما تكون هذه المعلومات الإضافية ذات تأثير سلبي على أدائه ، مثالاً عندما  يتحدث الاقتصاديون في الاعلام عن معدلات التضخم دون اعطاء المواطن المبرر أو الأسباب الموجبة لمعرفة هذه المعلومة لأن معظم المواطنين لا يعرفون ما هو التضخم Inflation ؟ وما هو معدل زيادة التضخم Rate of Inflation ؟ وماذا يعني زيادته أو نقصانه؟ وقد يسبب لهم ذلك المزيد من الاحباط والتقوقع ، علماً أن معدل التضخم ليس هو التعبير المباشر عن ارتفاع سعر السلع وإن كان في جزئياته يحوي مؤشراً لهذه الزيادة .


على ان ادراك الانسان لحدود معرفته بجعله يتواضع ويرتقي ، ويشجعه ذلك على  الاجتهاد وتنمية مهاراته وثقافته في الحياة ، ولعل ما قاله غاندي هو الاكثر تعبيراً : "أريد أن تهب كل ثقافات الأرض قرب منزلي ، لكني أرفض أن أنقلب من جراء رياحها العاتية"، والغريب انه في ظل هذه الاوضاع المأساوية التي نعيشها في لبنان ، فأن لا أحد يعترف بجهله بل يجادلك به ويرفع صوته للترهيب ويغلبك به أيضاً ، وفي الخلاصة وجدت ان الجهل ارحم من المعرفة الزائدة في بعض الاحيان ،كما انه يجب عدم المبالغة في العزلة وعدم الافراط في المخالطة الزائدة والعناية في أختيار الاصدقاء والتخلص ممن يدّعون المعرفة الزائدة الذين ينطبق عليهم المثل القائل "أحسنت له دهراً ونسيته في يوم فنسى الدهر وتذكر اليوم !" 

نقولا ابو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0