· 

الاحتفالات العالمية بعيد الميلاد ما بين المعتقدات والاستهلاك

د. ليلى شمس الدين
د. ليلى شمس الدين

ليلى شمس الدين[1]

 

ولد المسيح هللويا ...

وأضحى التهليل عالميًا، ولكن بخصائص وممارسات متفاوتة، شأنه شأن احتفالات كثيرة أضحت من صلب معايشاتنا، نستحضرها ونمارسها.

وفي هذه المناسبة، يتداعى كثيرون إلى طرح السؤال الإشكالي التالي: هل هو احتفال من قِبل المسلمين بعيد الميلاد المسيحي؟ أم هي عطلة معاشة على نطاق واسع في العديد من البلدان حول العالم. بما في ذلك بعض البلدان التي تقطنها أغلبية مسلمة.

قد يرى البعض، أنّه ليس من غير المألوف أن يشارك المسلمون في احتفالات عيد الميلاد في سياق ثقافي أو اجتماعي، مثل حضور حفلات الأعياد أو تبادل الهدايا مع الأسرة والعائلة، والأصدقاء من غير المسلمين.

ويرى آخرون أنّ عيد الميلاد لم يعد للمسيحيين فقط. فمنهم من يقيم حفلة عيد الميلاد، ويطبخ لخصوصية المناسبة ويحضّر الحلويات ويغني ترانيم عيد الميلاد، ومنهم من لا يفوّت أبدًا تزيين شجرة عيد الميلاد، وإعداد عشاء عيد الميلاد، كما تبادل الهدايا.

كثيرة هي الأمثلة التي توضّح كيفية تفاعل الأشخاص، كما الجماعات بشكل انتقائي مع روايات الاستهلاك الدينية والثقافية والمشتقة من الأسواق العالمية المفتوحة على الاحتفالات التي تشير إلى مجموعات دينية أو مجتمعية أخرى.

في هذا الإطار يمكن تفسير هذا السلوك جزئيًا عن طريق التثاقف لدى المستهلك، إذ أظهرت أبحاث سابقة، كيف تتأقلم الجماعات وتتفاوض وتتكيّف مع السياق الاجتماعي والثقافي الأوسع للمجتمع.

 وهنا يُمكننا أن نطرح السؤال التالي: هل عيد الميلاد هو عيد ديني يحتفل بميلاد يسوع المسيح أم احتفال بالأسرة والاستهلاك؟

في سياق متّصل، أمثلة كثيرة تلحظ كيف يدمج المسلمون قيم الاستهلاك المستمدّة من الثقافة الغربية والشرقية خلال شهر رمضان الإسلامي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الخيام الرمضانية التي تتضمّن سهرات سمر وإحياء لحفلات غنائية واجتماعات غير مرتبطة بالقيم الرمضانية. وعلى الرغم من ذلك تظل المعاني الثقافية الإسلامية السائدة المهيمنة كما هي.

لذا نرى أنّ مثل هذه السلوكيات المتمثّلة بالانخراط بالاحتفال بعيد ميلاد السيّد المسيح لا تعكس الالتزام الديني للأشخاص، بل تعكس الخيارات الشخصية واعتماد أسلوب حياة. دون أن نستبعد تأثير هذه الظاهرة الموجودة داخل البنى الاجتماعية والثقافية والدينية، وبشكل موسّع. ودون أن نغفل مدى تأثّرها طواعية، أو غير ذلك، بالقوى التي تتحدّى تديّنها أو تدعمه أو تعيد تفسيره. إذ يتخذ المشاركون قراراتهم العقلانية في تفسير إحياء أو المشاركة في عيد الميلاد، على أنّه حدث ثقافي، في حين يطبّق البعض منهم، المنطق الإسلامي حول أهمية التجمّعات العائلية وتردّداتها الإيجابية في غير مناسبة. في المقابل، يحدّد وجود السياق الديني والعلماني، كيفية دعم الجهات للمعتقدات والقيم الدينية للمشاركين الملتزمين دينيًا في احتفالات عيد الميلاد داخل مجتمع علماني.

وإذا ما أردنا أن نحدّد التديّن من منظور اجتماعي، نجده مجموعة فردية من المواقف والمعتقدات الدينية التي تظهر من خلال الأنشطة والممارسات والإهداءات ذات الصلة. وبذلك يُمكننا القول، إنّنا أمام مجموعة معقّدة من المعتقدات والقيم المترابطة القائمة على الفهم الديني المشترك بين المسيحيين والمسلمين، (يسوع المسيح / النبي عيسى) إضافة إلى القيم الثقافية الهجينة، والضخ الاستهلاكي الجماعي ضمن ثقافة السوق السائدة، التي ربما تكون إحدى أهم القوى المؤثّرة فيها هي التثاقف لدى المتلقّين. فآلية التدخّل الأساسية التي تعمل على جلب المسلمين للمشاركة في احتفالات عيد الميلاد هي السوق.

لذلك نشهد احتفالات عيد الميلاد، في بعض المجتمعات، إن لم يكن في غالبيتها، كآلية منتشرة ومتغلغلة تغطي جميع جوانب الحياة، بدءًا من التنشئة الاجتماعية في الطفولة، وحتى أحداث التسوق، وليس انتهاءً بحفلات عيد الميلاد في المكاتب في مرحلة الوظيفة. وبذلك تغدو هذه الآلية بمثابة قوّة لا يملك العديد من المشاركين في احيائها والمنخرطين فيها، الرغبة في مقاومتها.

 



[1]  باحثة في الأنثروبولوجيا والإعلام، أستاذة جامعية.

Write a comment

Comments: 0