· 

بين فرنسوا بودلير الكاهن وشارل بودلير الشاعر ... إنحراف وابداع

باريس، فرنسا
باريس، فرنسا


 سجل تاريخ فرنسا للشاعر شارل بودلير أنه مارس حريته في قول وفعل ما يشاء ومضى هو الذي تحدث في يومياته عن أن الروح تمر في حالات يتجلى أثناءها عمق الحياة بأكمله في أي مشهد تراه العين مهما كان عادياً ، وحسب اعتقاده يتوجب على الانسان أن يكون عظيماً في نظر نفسه قبل كل شيء , اذ أن الأمم لا تنجب العظماء الا مرغمة ، ولن يكون الرجل عظيماً الا اذا انتصر على أمته جمعاء ، كما جمع بودلير بين الحزن والغموض والندم والتعاسة .. وهو بذلك لم يزعم أن الفرح لا يجتمع مع الجمال ، لكنه يعتقد أن الفرح  أثمن من الجمال ، وفي حين أن الكآبة هي رفيقة الجمال برأيه،  إلى الحد الذي لا يعتقد معه أن هناك جمالاً لا تسكنه تعاسة.


 في حياته كان بودلير  يردد دائماً: أنا مريض، خلقي رديء، أنا كريه ومقيت جداً، ويعود ذلك إلى خطا أهلي ، جئت إلى الحياة بسببهم من أمٍ عمرها سبعة وعشرون عاماً، وأبٍ عمره اثنان وسبعون عاماً ، إنه زواج غير متكافئ،  ولا شك أن بودلير كان متطرفاً في كلامه، ويحقد على والده المسن الكاهن فرنسوا بودلير الذي توفي ولم يكن شارل قد تجاوز عمره ست سنوات مع والدة  فتية أنيقة، تدعى كارولين دوفايي، تركته طفلاً  وتزوجت ضابطاً في الجيش يدعى أوبيك Aupick. الذي أصبح فيما بعد عضواً في مجلس الشيوخ في الإمبراطورية الثانية ، واستطاع أن يباعد اللقاءات بين بودلير وأمه، 


في الثالثة والعشرين من عمره ، بدأت حياة بودلير تتحول الى جحيم حين وقع  بين أيدي الدائنين والمرابين وقضى بقية عمره مشرداً بين الحانات والفنادق هرباً من ايفاء ديونه ، وكان يغتاظ كثيرًا عندما يسمع أن دور النشر كانت تدفع بكرم وسخاء الى لامارتين وشاتوبريان ودوفيني ثمن مسلسلات تسلقوا  بها قمة المجد ، وبدأ يعيش بانحراف كبير، ورفضت حتى الصحف الصغيرة نشر مقالاته وقصصه وأصبح دون مأوى ، ومن سوء حظ  بودلير انه عاش في الفترة ما بين عامي 1821 و 1867) ، هذا العصر الذي كان مزدحماً  بأسماء لامعة في الفكر والفلسفة والعلوم والأدب امثال : هيغل  ، كارل ماركس ، فكتور هوغو ، فلوبير ، أوغست كونت وشوبنهاور ، ومع أن بودلير كان يتلهى كثيراً في السخرية من فولتير وموليير لكنه استطاع  أن يترك بصمة في الادب الفرنسي لا تزال يومياته تدرس في المدارس حتى يومنا هذا …

بحث نقولا ابو فيصل ✍️