· 

بين فرح القلوب وفرح امتلاء الجيوب

من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا اكتب "جزء ٤
من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا اكتب "جزء ٤


‎ان الفرح النابع من القلوب اعظم بكـثير من فرح إمتلاء الجيوب ، ولا يختلف إثنان على حب البشر لجمع المال والسعي الدؤوب في تحصيله، ومهما بلغ الانسان من درجات الثراء فأنه قد لا يتوقف أو يقتنع عند تحقيق مستويات معينة منه وذلك لاسباب عديدة منها شخصية، ومنها اعتقادً ان من واجبه تأمين حياة كريمة لابنائه في المستقبل   ،  وفي كلا الحالتين ،  هذا حق مشروع لكل الناس لكن بشرط أن يتم جمع المال وفق طرق قانونية وشرعية، لا تحايل ولا تزويراً فيها أو استغلال منصب أو وظيفة 


يروى انه بعد تولي أبو جعفر المنصور الخلافة ذهب الناس لتهنئته بالإمارة . وكان بينهم "مقاتل بن سليمان" ابرز الواعظين في زمانه، فبادره أبو جعفر قائلاً: عظني يا مقاتل ،فقال له:  إن عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر ولدًا، وترك ثمانية عشر دينارًا، كُفن بخمسة دنانير، واشتُري له قبر بأربعة دنانير، ووزع تسعة على أبنائه.في حين ان هشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولدًا، وزعت تركته على ورثته، وكان له أربع زوجات، وكان نصيب الزوجة الواحدة ثمانين ألف دينار من التركة النقدية ،والله لقد رأيت في يوم واحد أحد أبناء عمر يتصدق بمائة فرس ، وأحد أبناء هشام يتسول الناس في الأسواق بعد أن تبخرت أمواله وضاعت وانتهى به الحال إلى حالة من البؤس والفقر.


لا قيمة لغنى الجيوب مهما بلغت الأرصدة من المال والعقارات والابنية فالقيمة الحقيقية هي في غنى القلوب وقناعتها وإيمانها ، وقيمة المال تكون في طريقة استعماله في العيش حياة كريمة ،وتربية عائلة صالحة وتعليم الاولاد ، وادخال الفرح الى قلوبهم ومشاركة من حولنا في النعم لسد حاجاتهم الضرورية الملحة ، وهذا أجدى وأنفع من تكديس المال ،وعلى اللاهث وراء جمعه والاستزادة منه بحجة تأمين حياة كريمة للأبناء أن يقف وقفة تأمل ،ففي ذاكرتي أكثر من شخص كان يمتلك الملايين وقد جاهد طوال عمره لجمعها وبعد موته قام ابناؤه بتبديدها .

نقولا ابو فيصل ✍️