· 

بين الصبر والقوة… والاشمئزاز والقرف 

من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا اكتب" جزء ٤
من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا اكتب" جزء ٤


في الصغر علمتني أمي معاني الصّبر والقوّة وحب لبنان، وعلمتني ايضاً أن الصبر مفتاح القلوب كما انه مفتاح الفرج ، وأن كل الازمات سوف تمر ، وانه مهما كانت الرياح قاسيّة لا يجب ان أفقد ثقتي بالله فهو يتدبر امري ، وأن لا أخاف طالما الله معي، وهكذا انا اليوم ، وفي العمر الباقي لا أحتاجُ سوى لمدفأةٍ من النسيان ووِشاح من الصبر وصوت فيروز  يُرنم  "وطني.. وحياتك وحياة المحبة شو بني.. عم إكبر وتكبر بقلبي ، وإيام اللي جايي جايي.. فيها الشمس مخباية.. إنت القوي وإنت الغني وإنت الدني.. يا وطني".


ولكنني لم أكن أتوقع يوماً هكذا شعور بالقرف من سلطة سياسية عاهرة تحاضر بالعفة والطهارة فيما المواطن اللبناني يتسكع على ابواب المدارس والجامعات لتأمين التحصيل العلمي لاولاده ، ناهيك عن باقي المصائب من تأمين التدفئة في الشتاء ، وما الى ذلك  من مستلزمات حياة عذاب بائسة ،وهنا السؤال هل نعمد الى السكوت او ان نعبر عن اشمئازنا؟  وكم هو غريب هذا الشعور ، ولا افهم كيف تحولت الثقة الصادقة بالحكام الى اشمئزاز مقزز ، وكم هو غريب كيف ان الفرح الذي كان ينبثق من عيونهم تحول الى نظرة باهتة كالموت ، والصوت الذي كنا نتلهف لسماعه في نشرات الاخبار المسائية ، بات مثيراً للغثيان نتيجة الاخبار السيئة والمشينة ، نعم اصدقائي هذه هي الحقيقة المخفية التي اظهرتها النفوس الدنيئة عند انكسار الثقة الزائفة بين الحاكم والمحكوم.


والاشمئزاز هو أحد المشاعر السبع العالمية وينشأ مثل الشعور بالنفور من شيء مسيء ، ويمكن أن نشعر بالاشمئزاز من شيء نتخيله بحواسنا الجسدية (البصر ، الشم ، اللمس ، الصوت ، الذوق) أو من أفعال الناس أو مظاهرهم كما حالنا مع حكامنا ، وحتى من خلال الأفكار المستوردة الى مجتمعاتنا ،وشخصياً انا لا اوافق القائل ان السكوت هو  علامة الاشمئزاز ، فالاشمئزاز هو لحظة الضعف التي نتباهى بإعلانها نتيجة عدم التحمل وقلة الصبر ، والذي يرتقي الى درجة الشفقة أحياناً ليصبح الوجه الملائكي لها ، وهكذا فأن معالجة الامراض النفسية والشعور بالعظمة عند بعض رجال السلطة في لبنان بات ضرورة حتى لا يلاقوا وجه الله وهم في حالة القرف هذه !

نقولا ابو فيصل ✍️