· 

بين رفقة السوء والتداوي بالعزلة والكتابة

يبدو أن التداوي بالعزلة هو من ضرورات الحياة ، ويمكن للمرء أن يتعافي أحياناً بعزلته ، لكن بعض الاطباء يعتبرون أن التداوي بالعُزلة أشبه بالمسكِنات ولا يصلح  علاجاً ..بل انه يؤجِل الوعي، ويمدُّ في عُمر الوجع ، وقد ذهب اليونان قديماً في الاعتقاد  بأن الأمل هو الشر الاكثر مكراً وخداعاً، والذي يتمادى العقل معه حتى يمسه الجنون ، في المقابل اكتشفت ان الاطباء هم على خطأ حين قرأت يوماً ما عاينه الروائي كارلوس ليسكانو الذي اتخذ من الكتابة دواءً ليتخلص من العذابات التي عايشها بعد وفاة والديه وللتخلص من الضيق الذي تخلقه الزنزانة لينتهي به الأمر روائياً وكاتباً: ومن اجمل ما كتب يقول "الكتابة كانت بالنّسبة لي طريق النّجاة الوحيد لأحيا.. لم أكن كاتباً قبل دخول السّجن، وبين جدرانه وفي عزلتي بداخلها ولد فيّ الكاتب". واذكر جيداً  في صغري عندما كانت والدتي تقول لي : "حين كنّا في أعماركم كانت البساطة تغلب على أيامنا ولم نكن نعيش العذابات التي يعيشها جيلكم والأجيال التي ستأتي من بعدكم!"..على الرغم من التقنيات التي وصلت الى الاجيال الجديدة من ابنائنا فلا اجد احداً منهم سعيداً بما لديه ، وعليه تكون العولمة قدمت لهذه الاجيال التطور وسرقت منهم اشياء كثيرة ،وفرض التعقيد الحياتي نفسه على أبناء هذا الجيل الذي يتحمل ضغوط الحياة والتي تضاعفت نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض على لبنان ،واقفال المؤسسات التجارية والبطالة بين الشباب نتيجة الانهيار المالي في البلاد .

 

وفي خضمّ كل الانهيارات لمؤسسات ما كان يعرف بالجمهورية اللبنانية أرى المواطن اللبناني المثقل بالتعب والقلق على المصير الذي ينتظره وينتظر ابناءه يبحث عن مغتسلٍ بارد يخفف عنه أثقال كل ما كُلّف به، عن رغبة أو عن غير قصد.. فالبعض يسد الفراغ بتدخين النرجيلة والبعض الاخر بالعمل ،ويداوي البعض نفسه بالعزلة ويغتسل البعض من أدران الحياة بالحبر والكتابة تماماً كما فعلت حين لم أكن أعي وأنا أركض نحو هذا الخلاص تلك الخلفية العلمية التي عرفتها مؤخراً والتي تقف وراء هذا التحرّر وهذا السلام الداخلي الذي أحصل عليه فقط من خلال الورقة والقلم.. وهكذا صارت الكتابة مصدر التفاؤل الذي أنعم به والخوف الذي لا اعرفه، وصورة لبنان الجميل القادم تقف بين عقلي وقلبي ونظري. نقولا ابو فيصل 

Write a comment

Comments: 0