· 

شرفة صغيرة أطلت على حزن ثم أمل

قصة اغتصاب طفل 
قصة اغتصاب طفل 

 

جوان ملا

 

"بعمري ما رح أنسى هي البلكونة الصغيرة" هكذا تستهلّ "أم مصطفى" حديثها عما جرى لها مع ابنها وابنتها، وأم مصطفى هي امرأة سورية، كانت تسكن في ريف دمشق، لكن زوجها قُتل في الحرب هناك، ودُمرَ منزلها الصغير، فلم تجد مكاناً تلوذ إليه داخل البلاد لذا قررت أن تترك سوريا وتتوجه نحو لبنان مع ابنها مصطفى "ثلاثة عشر عاماً" وابنتها زهرة "خمسة عشر عاماً"، وفعلاً دخلت أم مصطفى إلى لبنان في عام 2014 وكانت قد خبأت مسبقاً نقوداً لوقت الشدة، فهي ذات نفس عزيزة ولا ترغب بتاتاً أن "تتسول"، تقول: يقولوا عني خدامة ولا يقولوا عني شحادة! لذا ومنذ أن وصلت أم مصطفى إلى العاصمة بيروت استأجرت منزلاً صغيراً في ضواحيها بسعر لا بأس به، وكان ما يميز هذا المنزل هو وجود شرفة صغيرة تطل على فناء خلفي، وكانت البيوت متلاصقة ببعضها لدرجة سهولة وصول شخص من الشرفة المجاورة للشرفة الأخرى ومن هنا بدأت حكاية "البلكونة"

 

ألعاب صغيرة:

 

ساعدت أم مصطفى جارةٌ لبنانية لطيفة كانت تسكن في الجوار وأخذت هذه الجارة تخبر الناس أن هناك امرأة لديها طفلان تريد إعالتهما ويمكنها أن تعمل بتنظيف البيوت بسعر جيد، وهذا ما حصل فعلاً، حيث بدأت أم مصطفى تعمل في خدمة البيوت، تنظيف وترتيب وطبخ حتى، وفي كثير من الأحيان كانت تغيب من الصباح حتى المساء لتعمل في بيت أو بيتين أيضاً في اليوم نفسه، كانت راضيةً بقسمة الله وتعيل أولادها من مالها، وقبل أن تذهب كانت تقفل الباب على ابنها وابنتها كي لا يخرجا، فقد كانت تخاف عليهما كثيراً، وتقول لهما قبل الذهاب ألا يقتربا من النار والكهرباء، تستودعهما الله وتذهب، ولكن لم يخطر ببالها أن الشر سيأتي من البيت الملاصق تماماً لبيتها، حيث يسكن شاب لبناني في الثانية والعشرين من عمره، وهو ليس وحيداً في هذا المنزل بل يسكن مع أهله، لكن غرفته كان فيها الشرفة المجاورة للشرفة الصغيرة في بيت أم مصطفى، وهُنا بدأ الشاب بالتقرب من الطفلين، مصطفى وزهرة، فقد كانا يلتقيانه حين يجلسان بالشرفة ويلعبان، فيسمعهما ويضحك معهما ويعطيهما ألعاباً من عنده، ولكنه كان ينبه الطفلين بألا يخبرا أمهما بالألعاب هذه أو أنهما يتكلمان معه كي يبقى يلاعبهما من شرفته نفسها كل يوم، لكن بعد فترة قفز الشاب من شرفته إلى شرفة أم مصطفى، وفاجأ الولدين في المنزل بدون سابق إنذار، وهنا شعرت زهرة بالخوف قليلاً، في حين وجد مصطفى أن الموضوع طبيعي، فهو صديقهما الكبير "الخفي" الذي يلعب معهما دوماً، لكن في ذات اليوم جلس مصطفى مع "صديقه" على الكنبة وكان يحاول ذاك الشاب ملاعبته بلعبة ما، لكن تحولت الملاعبة إلى مداعبة للجسد، لم يفقه مصطفى في البداية ماذا يجري لكنه عرف فوراً بعد أن اهتاج الشاب وقام بتخليعه ملابسه أنه يتعرض لانتهاك جسدي واضح، في حين دخلت زهرة وقتها غرفتها وقفلت الباب على نفسها وكانت تفعل ذلك في كل مرة يأتي فيها هذا الشاب للمنزل، فلم تعلم بالموضوع لأنها كانت تخشى الاقتراب منه ولم ترتَح لتصرفاته، خصوصاً أنه يدخل البيت من غير إذن، وكانت قد أخبرت أخاها بذلك بأنه لا يجب أن يستقبله لكنه قال لها إنه يتسلى معه وطلب منها ألا تخرج أمامه حين يأتي وألا تخبر أمها بشيء عنه، ومن وقتها استمر هذا الشاب بهتك عِرض الصبي مرات متتالية مع تهديدات له بعدم البوح بشيء وإلا سيقتل أمه وأخته، فما كان من مصطفى إلا أن يسكت ويسمح له بلمس جسده

 

أزمة نفسية:

 

لم تطُل القصة كثيراً حتى عرفت زهرة ما يجري، فقد لاحظت خوف أخيها المتكرر من الشاب المعتدي بمجرد أن يدخل للبيت، كما استرقت النظر لتجده في إحدى المرات يقترب من أخيها ويداعب جسده، فشهقت وصرخت بوجهه " شو عم تعمل أنت بأخي؟" إلا أن مصطفى وخوفاً من أن يحصل لأخته شيء ترجاها ألا تفعل شيئاً أو تصرخ أو تخبر والدتها، فقد تتعرض هي للاغتصاب أيضاً أو القتل منه خصوصاً أن الشاب قال لها "حابة تكوني معنا يا حلوة؟" وكان دوماً يحمل سكيناً صغيرة بجيبه، لذا بقيت زهرة على هذه الحالة، تغلق الباب على نفسها وتترك أخاها مع ابن الجيران المعتدي دون أن تعرف ماذا تتصرف سوى الخوف والبكاء.

لاحظت أم مصطفى لأيام متتالية حين تعود لمنزلها أن هناك شيئاً ما غير طبيعي يجري لابنها وابنتها، ولاحظت أن مصطفى يخبئ شيئاً لا يريد البوح به، فقد تغيرت ملامح الصبي وأصبح نحيلاً، في حين كانت زهرة تنظر إليه مشيرةً بأنها ستبوح لأمها وهو ينظر إليها مترجياً ألا تفعل ذلك، لقد انتبهت أم مصطفى تماماً للنظرات، وطلبت منهما أن يخبراها ماذا يجري فيتحجج مصطفى بتبريرات غير منطقية، لكن في إحدى المرات وجدت أم مصطفى ابنها يبكي بدون مبرر قبل النوم، وحين تسأله "شبك؟" يجيبها ليس بي شيء ويرفض الاعتراف، ثم يقول لها "أنا أحبك كثيراً" فتحتضنه وتنام بجانبه وبدأ القلق يتسرب بشكل كبير لداخل أم مصطفى غير دارية ماذا يجري بابنها، ولماذا انقلب فجأة

 

كشف الحقيقة:

 

مر على بدء الاعتداء الجسدي المتكرر على الصبي ما يقارب الشهرين، ومازالت الحكاية نفسها تستمر، لم يخشَ الجار المعتدي من شيء، بل كان يأتي يومياً تقريباً ليداعب الصبي ويغتصبه، إلا أن الحقيقة كان لا بد لها أن تُكشَف، ففي أحد الأيام عادت أم مصطفى من عملها ووجدت ابنها مستلقياً مريضاً لا يستطيع التحرك فصرخت وقررت أن تأخذه للمستوصف، في حين كانت زهرة بجانبه تبكي، وأمام هذا الموقف ضعفت الفتاة وأخبرت أمها بكل شيء بالتفصيل، تقول أم مصطفى إنها بقيت "صافنة" ساعة كاملة تقريباً لا تعرف ماذا تقول أو تفعل أمام تعب ابنها وبكاء ابنتها، كانت القصة بالنسبة لها كالصاعقة على الرأس، هل تذهب لمنزل الجيران وتخبرهم أن ابنهم مغتصب؟ هل سيصدقونها أصلاً؟ بل من الممكن أن يهرب! أم هل تذهب للشرطة؟ وماذا تقول لهم وهي لا تمتلك أوراقاً نظامية مع ابنيها في لبنان بسبب الشروط التعجيزية للإقامات؟ لكنها استعادت توازنها ونهضت لتخبر جارتها التي ساعدتها و "دبرت" لها عملاً بكل القصة.

تقول أم مصطفى إنها احتارت ولم تعرف ماذا تفعل سوى أن تخبر جارتها لتدلها على الطريقة التي من الممكن أن تنقذ ابنها، وهنا دلتها الجارة على إحدى الجمعيات التي تعنى بالنازحين السوريين وتساعدهم معنوياً وقانونياً، وفعلاً ذهبت أم مصطفى للجمعية وشرحت لهم كل شيء، وعلى الفور توجه معها مختص بالشأن القانوني من الجمعية إلى المخفر، وهناك شرحت أم مصطفى كل شيء لتتوجه دورية بدعم من الجمعية نحو بيت أم مصطفى، سمعوا أقوال الصبي وفوراً اعتقلوا الشاب المعتدي من المنزل المجاور وتم استكمال الإجراءات القانونية بحقه وسوقه إلى التحقيق وسجنه

 

 

تقول أم مصطفى بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الحادثة إن الجمعية التي لجأت إليها ساعدتها وقتها بشكل كبير، وعملت على التأهيل النفسي لابنيها، فقد كانت المختصة بالشأن النفسي بالجمعية تأتي لمنزل أم مصطفى كل يوم "وهو منزل يمكن اعتباره كملجأ اختارته الجمعية للعائلة الصغيرة ودفعت لهم أجاره سنة كاملة" وكانت المختصة تعمل بحب وود مع مصطفى وأخته وتساعدهما على تجاوز المحنة الصعبة التي مرا بها، خصوصاً أن الطفلين لم يعودا واثقين بأي شخص لدرجة أنهما خافا من المختصة النفسية نفسها في البدايات، لكن وجود أمهما معهما لفترة من الزمن داخل المنزل مع المختصة أعطاهما شعوراً بالاطمئنان، وتؤكد أم مصطفى أن ابنها تجاوز المحنة خلال فترة ليست طويلة، وذلك نتيجة الدعم النفسي المكثف، في حين بقيت هي تعمل في المنازل كي تعيل ولديها.

وحين سؤالها عما جرى مع الشاب المغتصِب قالت: لقد خرج بعد مدة من السجن بسند كفالة، فقد دفع أهله أموالاً لكفالته، مع أني كنت أتمنى أن أراه مشنوقاً.

لكن مصطفى اليوم أصبح شاباً وتجاوز سن الرشد 18 عاماً، هو لا يحب أن يستذكر تلك الأيام، لكنه أدرك أن الحياة ليست ملأى بالأشرار فهناك أيضاً حياة جميلة تنتظره، أكمل تعليمه مع أخته بدعم من الجمعية أيضاً واجتاز امتحانات البكالوريا بنجاح، لكنه فضّل تعلم مهنة الخياطة وهو اليوم يعمل مع أحد الخياطين في دكانه، ومازالت والدته تعمل في البيوت لكنها تأمل أن تسافر قريباً خارج لبنان نحو أوروبا لأن صحتها لم تعد تساعدها كما السابق أو تأمل أن ينجح ابنها في مهنته كي يعيل العائلة بعد الفترة الصعبة التي عاشها في طفولته.

 

الرقم الساخن لجمعية إنقاذ الطفل في لبنان

01281865

جمعيّة "بسمة وزيتونة" -  هاتف: 76939238

 

هيومن رايتس ووتش

رقم الهاتف:

9611217670+

 

جمعية شبكة الإغاثة والمساعدات العالمية

العنوان: بيروت – لبنان

 

رقم الهاتف:

  +96171196809