· 

رحلة حج إلى أعلى بلدة في الشرق الأوسط

كان شربل سعيداً برؤية العدد الغفير من الزوار في بلدته. "لم نرى هذا العدد الكبير من الناس منذ أكثر من سنتين بسبب كورونا واليوم ها هم يعودون من كل مكان إلى مسقط رأس القديس شربل"، يقول الشاب الذي يحمل الاسم نفسه ويعمل في فرن صغير على مدخل بلدة بقاعكفرا التي تُعتبر أعلى بلدة مأهولة في الشرق الأوسط، ويصل عدد سكانها إلى 10 آلاف نسمة.


مصدر اسم بقاعكفرا سرياني مشتق من كلمتين هما: بقاع أي الأرض الصالحة أو الطيبة، وكفرا أي البلدة، ما يعني أنها كانت أرضاً استخدمها أبناء بشري للزراعة.


"شربل" هو الاسم الشائع في البلدة، أينما تذهب تسمع به وهذا ليس غريباً على هذه المنطقة الجميلة، إذ سكن فيها القديس شربل 23 عاماً من طفولته إلى شبابه وتوجه بعدها إلى دير ميفوق للرهبة. فتحولت هذه البلدة محجاً لكل المؤمنين المتضرعين لشفاعة القديس.


ينهمك أصحاب المحلات في تلبية طلبات العدد الكبير من الزوار في ليلة عيد القديس شربل والتي تصادف في ١٥ تموز. "ليلة العيد هي للصلاة والتحضير للعيد يوم الأحد في خشوع"، يقول طوني وهو يضع الكعك "الطرابلسي" على منقل من الفحم. "أعود إلى البلدة في شهر أيار وأمكث فيها كل فصل الصيف، معظم الأولاد تتلقى تعليمها في بلدة بشري المجاورة حيث كل شيء متوفر ولكنهم يعودون إلى بقاعكفرا بسبب الجو الجميل وبالطبع القديس شربل."


وتتميز بقاعكفرا بخصائص طبيعية وتراثية فريدة، أبرزها البيوت الحجرية القديمة واتَّخذتها سنة 1994 مؤسسة "ذاكرة البيوت الأوروبية" كبلدة نموذجية لإبراز طابع البلدة التراثي في بيوتها وطرقاتها الداخلية ومداخلها.


البلدة تعجّ بالحجاج من كافة المناطق اللبنانية ومن مختلف دول العالم أيضاً فتحولت ساحتها إلى مجموعة هائلة من الوجوه المسرورة. وفي هذه الليلة أيضاً، أتى أكثر من ألفي شخص عبر رحلات خاصة ومجانية بمبادرة كريمة من الإعلامي شربل سعادة وعدد كبير من المتطوعين والمتطوعات وذلك عبر أكثر من ٥٠ باص من كافة المناطق اللبنانية. وعند الوصول إلى درج البلدة، تم استقبال الجميع بالفواكه المحلية اللذيذة والحلويات وتم مرافقتهم عبر أدلاء محليين قدموا شرحاً غنياً عن أبرز المعالم الأثرية للبلدة، من كنيسة السيدة التاريخية إلى منزل القديس شربل وكنيسة مار سابا ومغارة شربل العجائبية حيث كان يصلي عندما كان طفلاً وعندما أراد أهل البلدة بناء كنيسة تضرعوا لله لإيجاد ماء يساعدهم على ذلك، وبشفاعة القديس شربل تفجرت نبع تدّر المياه دون إنقطاع...


تميزت "ليلة العيد" بمسيرة في البلدة القديمة وقداس إحتفالي وريسيتال ديني جمع عدد غفير من المصلّين.


ومع رائحة الزعتر التي تعبق بالمكان وينابيع المياه المتدفقة، تأثر بلدة بقاعكفرا زوارها من كل حدب وصوب وتترك إنطباعاً رائعاً من الصفو الروحي والتأثر الشديد.