· 

العنف ضدّ المرأة: حلول قانونية غير مكلفة


دخلت سارة* منزلها الزوجي مع طفلتها ذات الثلاث سنوات لتجد مسدّس زوجها على السرير، ما جعلها تشعر برعب كبير فبدأت ترتجف من الخوف. تعرّضت سارة للعنف من قبل زوجها مرّات عديدة في السابق، ولكنها كانت تعود إليه بسبب خوفها من أن تفقد طفلتها. لكن هذه المرّة، كان الأمر مختلفاً! بعد رؤية المسدّس، أحسّت بخطر مباشر يهدّد حياتها وحياة طفلتها الصغيرة، وفي تلك اللحظة، لم تعرف ما العمل ... هل تعود إلى منزل والديها أم تلجأ إلى الشرطة؟ حملت سارة ما تيسّر من أغراضها الشخصية وتوجّهت إلى منزل صديقتها.


 الإعلان بشأن القضاء على العنف ضدّ المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، يعرّف العنف ضدّ المرأة كالتالي: "أيّ فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجّح أن يترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسّفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة."

غالباً ما تتردّد مقولة أنّ المنزل هو أكثر الأماكن أماناً للنساء، لكن العنف الأسري يحدث عادةً داخل المنزل فيبقى بعيداً عن الأنظار ويبرَّر بأنه مسألة شخصية يجب التعامل معها بخصوصية. ويُعدّ العنف ضدّ المرأة والفتاة واحداً من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشاراً واستمراراً وتدميراً في عالمنا اليوم، وتحيط به ظواهر الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار.


تقول المحامية بريجيت شلبيان، المتخصّصة بحقوق الإنسان وقضايا المرأة والطفل والعدالة، أنّ العنف يأخذ أشكالاً عديدة كالعنف المادي والجسدي والجنسي والمعنوي والاقتصادي والعنف القانوني أيضاً بسبب بعض النصوص القانونية "المتخلّفة" وغياب النصوص التي تحمي المرأة.


هذا وكان لبنان قد أقرّ في العام 2014 القانون رقم 293 للحدّ من العنف المنزلي، لكن العنف ضدّ النساء ما زال منتشراً في جميع أنحاء البلاد. وأشارت التقديرات في العام 2018 الى أنّ واحدة من كل 3 نساء متزوّجات في لبنان تعرّضت للعنف وقد مارسه عليها أحد أقاربها الذكور. وهذه النسبة إلى ارتفاع، حسب هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وترتفع النسبة وتتفاقم بفعل الأزمات الصحية والإقتصادية والاجتماعية والسياسية في لبنان.


ما هي الخطوات الواجب اتخاذها في حال تعرّضت المرأة للعنف؟

تقول شلبيان أنّ "المرأة التي تتعرّض للعنف من المهم أن تكسر جدار الصمت وتتغلّب على خوفها من نظرة المجتمع إليها وتقوم بالتبليغ فوراً عن الحالة لدى أقرب مخفر وأن لا تتردّد بالقيام بذلك من خلال إخبار أحد أفراد عائلتها أو أصدقائها المقرّبين التي تثق بهم وذلك كي تجد طريقة فورية لدعمها كتأمين ملجأ آمن لها على سبيل المثال لا الحصر، ولدعمها بأيّ شكل ممكن. وبإمكانها الاتصال بالرقم 1745 وهو الخط الساخن الذي وضعته قوى الأمن في لبنان للتبليغ عن حالات العنف الأسري وهو مرتبط مباشرة بغرفة عمليات المديرية العامة للأمن الداخلي حيث يتمّ تلقّي الشكوى بسرّية تامة من قبل عناصر مدرّبة لهذه الغاية. كما بإمكانها التقدّم بشكوى جزائية في النيابة العامة أو طلب حماية من قاضي الأمور المستعجلة وذلك بهدف تأمين الحماية لها."


وكشفت أرقام قوى الأمن الداخلي استقبالها 1018 بلاغ عنف أسري على خطها الساخن 1745 بين بداية شهر كانون الثاني ونهاية شهر آب من العام 2020، مع الحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا وتفاقم الأزمات الاقتصادية والتضخم الذي شهده لبنان، مقابل 458 بلاغاً سُجل في العام 2019، أي بفارق 560 شكوى وزيادة ما يقارب 122%.


في حال وجود آثار للضرب على جسد السيدة، تقول شلبيان،"من المهم أن تستحصل السيدة على تقرير من الطبيب الشرعي. وبما أنّ تقرير الطبيب الشرعي تكلفته المادية كبيرة، بإمكانها أن تقوم بتصوير آثار العنف بكاميرا الهاتف وتحتفظ بالصور مع تاريخ التقاطها. كما بإمكانها اللجوء إلى مستوصف طبي وأن تطلب تقريراً من طبيب صحة عامة، الذي بإمكانه أي يكتب في تقريره أنها تعرّضت للعنف ويوجد آثار لذلك ويحدّد مدّة التعطيل عن العمل في حال كانت موظفة. وبذلك يكون لديها دليل أوّلي على حصول العنف، مما يساعدها عند تقديم الشكوى ويتمّ أخذ الدليل بعين الاعتبار."


سارة لم تشأ العودة إلى المنزل بظل التهديد المباشر على حياتها وذلك بالرغم من إصرار عائلتها على الأمر. "عيب! زوجك سند لك ولطفلتك"، "يجب أن تعودي للمنزل، من المعيب أن تبقي في منزل صديقتك؛ كيف ستكبر ابنتك؟ ماذا سيقول "العالم" عنك وما سيكون عليه صيتك في المجتمع؟" كل تلك الأمور شكّلت ضغطاً كبيراً عليها، لكنها تدرك جيداً أنّ زوجها سيكرّر فعلته وسيعنفّها تماماً كما حصل مرّات عدّة في السابق وسكتت عن الموضوع، وكانت في كل مرّة تتعرّض فيها للضرب المبرح تقول أن آثار الكدمات على وجهها هو بسبب انزلاق على السلالم أو وقوعها داخل المنزل!


لذلك، في حال قرّرت المرأة مغادرة المنزل ومن ثمّ العودة، تحذر شلبيان أنه "من الأفضل أن لا تعود بمجرّد أن تمّت مصالحتها مع زوجها لأنه من المحتمل جدّاً أن تتعرّض مجدّداً للعنف. لذلك يجب أن يكون هناك تعهّد خطي بأن لا يتعرّض لها مجدّداً وذلك عند تقديم الشكوى الجزائية. وفي حال كانت المصالحة عائلية، من المهم أن يكون هناك تعهّد أو اتفاق يشكّل ضمانة بأنها لن تتعرّض للعنف مرّة أخرى."


هنا يأتي دور بعض الجمعيّات التي تقدّم ملجأ آمناً وحماية للسيدة المعنفّة. في هذا الإطار، تقول السيدة جيهان أبي سعيد من جمعيّة "أبعاد" أنّ الجمعيّة التي تعمل على إنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال توفير الحماية والدعم، تضع خطة سلامة خاصة بكل سيدة. وبعد تقديم شكوى قضائية، توفر الجمعيّة ملجأ آمناً للسيدة بالإضافة إلى جلسات توعية قانونية ودعم نفسي واجتماعي لتتخطّى المرحلة الصعبة وتكمل حياتها دون خوف. وبموجب إحالة قضائية، يتمّ إيواء الضحية بعيداً عن العنف المنزلي... الرقم الموضوع في الخدمة هو 81.788178.


هذا ويوجد في لبنان عدد لا بأس به من الجمعيّات التي تقدّم الحماية أو المشورة القانونية للسيدة المعنفّة. جمعيّة "كفى عنفاً واستغلالاً"، ومن خلال عملها على التمكين والدعم النفسي والاجتماعي والقانوني لضحايا العنف من نساء وأطفال، تقدّم الدعم القانوني من خلال مشورة قانونية يؤمّنها محامون ومحاميات بشكل مجاني وسرّي، فيساعدون الضحية على تقديم شكوى قانونية لدى الجهات المختصّة ويرافقونها في كافة المراحل والخطوات الواجب اتخاذها. كما تقدّم الجمعيّة دعماً مادياً بسيطاً للحصول على تقرير طبيب شرعي. وبالإمكان التواصل مع الجمعيّة عبر خط الدعم 03.018019 الذي يعمل على مدار الساعة.


أما "الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضدّ المرأة" فتقدّم دعماً نفسياً واجتماعياً وجلسات توعية واستشارة قانونية مجانية ومتابعة قضائية للدعاوى لدى المحاكم. ووضعت الهيئة رقمي هاتف للتواصل، في بيروت على الرقم 03.829809 وفي طرابلس على الرقم 70.518291.


لم تعد سارة، في ذلك اليوم، إلى منزلها وأصرّت على البقاء في منزل صديقتها. وعند مطالبة الزوج بابنته، لم تتردّد بجعله يأخذها ويقوم بتربيتها. "أن أكون على قيد الحياة ورؤية ابنتي من وقت لآخر أفضل بكثير من أن تكون والدتها متوفية بسبب العنف المنزلي"، تقول سارة بحسرة، وقد بدأت بمعاملات الطلاق المعقّدة ولكن التي، على الأقل، ستحميها من زوج لا يتوانى عن تعنيفها ويشكّل تهديداً صريحاً لحياتها.


*اسم مستعار