· 

بين صمت الله وصمت البشر … مطرحك يا واقف


من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا اكتب” جزء ٤ 


الصمت هو فن لا يتقنه الكثير من البشر ، فمن كان مبدعاً بصمته هو بالتأكيد مبدع بكلامه والجاهل هو الذي يعتقد أنّ الصمت هو عدم معرفة أو خوف من المواجهة ، وهذا غير صحيح ، فالصمت هو أساس الحكمة والمعرفة ،فكم من ادباء وشعراء مدحوا الصمت وذموا الكلام السيئ الذي أهان به الانسان أخاه ، ومن المؤكد بنظري ان الله سوف يحاسب يوماً كل مسؤول لصمته على الاذى الذي تسبب به لكل رُوح على هذه الارض لم يرَ منها سوى الرحمة وعن كل قلب قسا عليه ولم يكن يرغب سوى ان يعيش بسلام , وعن كل قسم قام بتأديته وهو يعلم انه كاذب وعن كل صمت وتستر على ظلم كان سببه، وعن كل دمعة وكلّ تنهيدة ، وكل بكاء وكل خيبة أمل لمواطن لعنه صبحاً ومساء ً وهو في طريقه يبحث عن رغيف خبز او دواء لمريض.


يقول شكسبير "تغافلنا عن أشياء كثيرة 

وظنوا أننا مغفلون"ومع ذلك فأننا أحيانًا نُصر على الصمت لأن هنالك أشياء لا يعالجها الكلام ، فليس كل صامت غير قادر على الرد ، هناك من يصمت حتى لا يجرح غيره ،وهناك من يصمت لأنه يتألم وكلامه سيزيده ألماً ، وهناك من يعلم أن الكلام لن يفيد إذا تحدث ، وهناك من يصمت وقت  الغضب حتى لا يخسر أحداً ، والصَمت  مُتعِب لكنه يبقى ارقى وسيلة للرَد على كثير من الكَلام ، وربما هناك صمت يقربك إلى الله ،خيرٌ من كلام يضحك من حولك هنا ويبكيك كثيراً هناك.


وفيما المواطن اللبناني هو الصامت الاكبر  على ظلم ذي القربى هذه الايام ، وبعد قراءة قاتمة لكل التقارير الدولية حول فداحة الوضع والانهيار العظيم الحاصل، لا تزال الطبقة الحاكمة في لبنان تظن نفسها انها من اصناف الالهة الاسطورية نسمع أقوالها ولا نرى افعالها ، ولا من يبالي بما سيكتبه التاريخ عنهم غداً ، وقد انتقل المواطن بسلاسة من مرحلة السماع بالإنهيار إلى مرحلة ملامسته واقعاً نشاهده في الوجوه الشاحبة ،في الشوارع الكئيبة ، في الطوابير امام الافران ومحطات المحروقات ، في صمت الجائعين ، في اليأس من الغضب ، في الخوف من الغد والهجرة ، نشاهده في فجور "الآلهة الارضيين" الذين لا يزالون يتناحرون على ثمن بخس ومقعد وزاري في حكومة مفقودة! وقد لا يلام الحكام  على فجورهم طالما  الشعب المسكين لا يزال صامتاً ويركض وراء جلاديه والانتخابات النيابية الاخيرة كانت خير دليل على ذلك .

نقولا ابو فيصل ✍️