· 

بين إحسان الظن بالحكام  وخيبات الامل بالاوطان ... هجرة قاتلة

تعبيرية
تعبيرية

من سلسلة كتب "عن لبنان لماذا اكتب” جزء ٤ 


‎اسمه كيفورك ، هو مواطن لبناني التقيته في الاغتراب مهزوماً من دولته التي اضطر مرغماً أن يترك أرضها المقدسة على حد تعبيره ، وأن يهاجر قسراً ، فيما الدموع تنهمر من عينيه ، وهو يروي لي قصته مع وطن الارز الذي ولد فيه وعشقه الا انه طلب مني الاحتفاظ بحديثنا ، ولكن بعد  قراءته لقصة باميلا البارحة تشجع على ما يبدو وطلب نشر ما دار بيننا من حديث  في ذات ليل ! يقول كيفورك : "أحسنت الظن بأهل الحكم في وطني ولم أنل منهم إلا خيبات الامل المؤلمة، روحي تحترق من شدة الالم وكتمان البكاء بداخلي وقسوة المعاملة ولم أحظ يومياً بالحب الذي بادلت لبنان به ، ولنصف قرن من الزمن الضائع واجهت الصعاب وعشت جراحات الوطن والمواقف التي تكسر الحجر ، بكيت في السر وأظهرت القوة في العلن ، قاومت في حرب داخلية لم يبق فيها شيئٌ حيٌ من كثرة الخيبات والانهزامات.  تمنيته دافئاً ولكنه ما منحني يوما سوى الخيبات والاوجاع التي ثقبت قلبي ، منذ ولادتي لا بل منذ أن شرع عقلي بالنضوج ، لم تكن الهجرة يوماً خياري ، ظننت أن قدرتي عالية جداً على تحمل جبال من خيبات الامل وكنت أعيشها ممارسة يومية ، ولطالما كنت اكسرها بأصراري ولكني فشلت،  ولم انل المراد في البقاء…منذ تخرجي الجامعي حتى اليوم وانا أسعى للحصول على الافضل ، وصلت الى  حد اليأس وشاطئ الأكتئاب وفقدان طعم الشغف بالحياة ، خاصة بعد ان تراكمت كل الخيبات التي حصدتها في وطني…يتابع صديقي " يراودني حنين العودة الى لبنان بعد ان وفرت لنفسي في الخارج مقومات الصمود للعيش في الداخل ، ولكن سرعان ما أعدل رأيي عندما اتذكر مقولة ابي بعد زيارتي الاخيرة الى لبنان حين كان يقول : "لا تطالب برحيل الأنظمة ومكافحة الفساد ، خذها مني .. لا تعود ارحل أنت وابق بعيداً"


‎نعم صديقي كيفورك ربما مقولة ابيك وحدها أقنعتني انا ايضاً ، فالاوطان كلها تتقدم وتزدهر ولبنان الوطن صار في الجاهلية الجديدة ، نعم صديقي لم يتركوا لنا خيارات واسعة ؟ لا تنتظر أن تصبح قلوبهم القاسية لينة ، فأمثال حكامنا لا قلوب لهم ، دفعوا بالوطن الى الخلف عشرات السنين فيما العالم حولنا يتقدم  ، يبحث حكام بعض الدول المجاورة للبنان عن رفاهية الشعوب ، صدقني لم يكن لبنان يوماً في مقدمة اهتمامات حكامه ،وجهت  اليهم خطابات ورسائل كثيرة بحبر المشاعر واستشعار الخطر طالباً منهم الاستفاقة والاستيقاظ قبل فوات الاوان ، طلبت لقاءات عديدة مع اصحاب القرار منهم في العلن والسر ، استحلفت ضمائرهم بعدم تهجير الصناعة اللبنانية ! ما الذي تغير؟ لا شيء سوى ان حزني قد تضاعف اضعافاً  ، وما زلت لا أرغب بالعودة عن قراري وهو البدء من جديد وفي بلاد جديدة . نقولا أبو فيصل