· 

بين طاولة الباكيارد ودموع باميلا وليل حزيران الطويل



هي باميلا ، أمرأة بطلة ومثال صادق للإنسانية وقد استطاعت بمعونة إلهية أن تغير مجرى حياتها وتزيح ظلاماً كاد الناس حولها يحسبونه أبدياً بعد أن حصد الموت جميع أفراد عائلتها الواحد تلو الاخر ولكنها لم تخف منه ولم تستسلم له رغم انه بقي مرتسماً في ذاكرتها طول العمر ، في سنوات متلاحقة فقدت الاب بالمرض والشقيق الاوحد بحادث سير مع رفيقته وقضى السرطان على والدتها في اقل من اربعين يوماً من ظهور عوارض المرض ، وبقيت وحيدة بعد ان خسرت عائلتها ومشت العمر على دموعِها وقلبها يقطر دماً. 


باميلا تملك قلبين : الاول في داخلها والثاني ينبض في قلوب محبيها والذين يعرفونها عن قرب …على هذه الطاولة وذات مساء من ليل حزيران وبحضور "وصيفتها الاولى" كارول روت لي قصتها مع الحياة ومع الاقدار المكتوبة وعدم محاولتها فعل شيء .. إستسلام كامل لمشيئة الله ، مما جعل عينّي تدمعان فرحاً على قوة إيمان هذه المرأة وحزناً على أحبة صارت أجسادهم تحت التراب لكن أرواحهم لا تزال تتناوب على مرافقتها وملازمتها من فوق ، وكأن حروف كلمات باميلا كانت تُبرئ نفسها وتقول لي انه لا يمكنني أن أعبر عن كل هذه العظمة في الرجاء ، عظمة قد تزلزل الجبال وتجمّد البحار وتهطل  من السماء كأنهار ..وتكمل باميلا تروي لي قصتها.. قصة فتاة أستمرت في الحياة وأحبت وتزوجت وأنجبت طفلتين وكأنهن ملاكان صغيران حولها، وكان يمكن أن تكتفي بحب العائلة وتعيش بسلام لكن طموحها تجاوز هذا الحب الى حب للوطن ، فراحت تعمل لساعات طويلة يوميًا وسارت في طريق طويل شاق اختارته لنفسها ، طريق لا ينتهي قبل الوصول الى البحث عن حقيقة "اي لبنان نريد لابنائنا! "


باميلا روت لي قصتها كاملة وكل حرف من حروف كلماتها كان يبكي ألماً وقد أعجبني طرحها للأفكار والاراء في العقيدة المسيحية كما في الحياة وقد رأيت فيها مثال المرأة الرائدة التي تكره الضعف وتناضل دفاعاً عن الذين يقعون غالباً ضحايا غدر الزمان ، كما بدا لي ايضاً من خلال كلامها المنمق الجميل أنها امرأة موهوبة مما جعلني ارى فيها أنموذجاً نادراً  للنساء الاشداء اللواتي يصعب التواصل مع أمثالهن في هذا الزمن !استمعت اليها مطولاً وأنا واثق ومقتنع بما طرحته 

من أفكار استطاعت بها أن تحرك بي عاطفة جياشة حجبت عقلي عن التفكير وجعلتني ارغب ملازمة هذا الكنز الممتلئ بالايمان وتحدثت اليها عن أوجه الشبه في حياة البشر وعن شعوري بشيء لم أشعر به من زمن مؤكداً لها رغبتي في البقاء الى جانبها أخاً بعد فقدان أخيها وهي التي هزت مشاعري بصدق كلماتها تصديقاً لا يقبل الشك.

نقولا أبو فيصل ✍️