· 

الصورة أحلى مع ابتسامة

عن انستاغرام
عن انستاغرام

 

في حين تنتشر عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي صور أقل ما يُقال عنها أنها نمطية وتُظهر النازحين السوريين بصورة مغايرة، بشكل أو بآخر، لما هم عليه، يصرّ محمد الهزّاع، وهو مصوّر من سوريا يبلغ من العمر 30 عاماً، على أن تبقى الصورة انعكاساً دقيقاً للواقع، لا تنال من جماليته الطبيعية ومصداقيته الواقعية تعديلات تقنية أو نوايا خفية. لقد ساهم، على طريقته الخاصة، بكسر هذه النمطية من خلال عمله كمصور محترف في مخيّمات النازحين في منطقة البقاع في لبنان.

 

بدأ الهزّاع عمله التطوعي في المخيمات في خيمة لمحو الأمية حيث كان يقوم بتعليم الأطفال مع جمعية "الفابيت". من خلال هذا النشاط، بات أكثر قرباً من الأطفال. نزح محمد من سوريا في العام 2013 بسبب الحرب الدائرة هناك وإنضم الى عائلته التي كانت قد سبقته الى لبنان. في سوريا، درس التربية البدنية في الجامعة، لكن شغفه كان في مكان مختلف كلياً.

 

بعد وصوله الى لبنان، تقدّم بطلب للحصول على منحة جامعية للتخصّص في المجال السمعي والبصري وفاز بها. بذلك، جعل التصوير، الذي كان مجرّد هواية، احترافاً وشغفاً، وعمل كمصوّر مع جمعية URDA في مخيّمات النازحين في البقاع، حيث كان يوثّق ما يحدث من نشاطات وأحداث، وهو ما يزال يمارس هذا العمل منذ 8 سنوات.

 

خلال تجوّله في هذه المخيّمات، لاحظ انتشاراً واسعاً للصورة النمطية والبائسة التي يظهر فيها النازح، وبخاصة الطفل، على الملأ. "الإعلام والسوشيال ميديا ينقلان صورة نمطية حزينة للطفل النازح، وواقعاً سيئاً وبؤساً عارماً... لكن أنا رأيت أشياء مختلفة وإيجابية"، يقول الهزّاع بحماس كبير.

 

إيجابيةٌ وجدها لدى طفل يُدعى يمان ينشد بطريقة مذهلة وصوته جميل وعذب. صوّر فيلم فيديو قصير عنه ونشره على صفحته الخاصة على تطبيق إنستاغرام، ومن هناك بدأت القصة! حصد الفيديو عدداً كبيراً من المشاهدات، وتناقلته وسائل الإعلام المختلفة، وتلقّى محمد ردود أفعال وتعليقات داعمة كثيرة، منها: "هل من المعقول أن تكون هذه الموهبة في المخيمّ وبإمكانها القيام بأشياء كهذه؟"

 

بفضل هذا التفاعل الكبير، سنحت الفرصة لمحمد لإظهار الأطفال بطريقة إيجابية، فجعل صفحته على تطبيق الصور والفيديو إنستاغرام مساحة مخصّصة لهم ولصورهم ولفيديوهات توثّق النشاطات المنوّعة التي تعبّر عن فرح كبير وإيجابية لا تظهرهما وسائل الإعلام. فها هم الأطفال يلعبون ويضحكون وينفذون "التريندات" أو يحتفلون بأعياد الميلاد حول قالب من حلوى الشوكولا وصاحب العيد يقوم برش جوز الهند على القالب على طريقة الشيف التركي الشهير، وكل ذلك وسط ضحكات رفاقه ورفيقاته...

 

تجاوزت أعداد المعجبين على صفحة محمد الـ 600 الف معجب، وحصد حسابه آلاف المشاركات والتعليقات. لم يكتف محمد بهذا النجاح الكبير لصفحته فوضعها في خدمة عمل الخير إذ أن العديد من المتابعين كان يسأل عن طريقة للمساعدة والتبرّع. وضع محمد روابط مخصّصة، يمكن لمن يريد التبرّع أن يضغط عليها، فهؤلاء الأطفال بحاجة الى كل مساعدة ممكنة للتحسين من ظروف عيشهم القاسية في المخيّمات بسبب البرد القارس في الشتاء ونقص المواد الأساسية...

 

وبالفعل، تمكّن محمد من جمع عدد كبير من الحصص الغذائية ووجبات الإفطار في شهر رمضان وساعد في توزيع الأضاحي خلال عيد الأضحى. وفي العام 2021، ساعد بتجهيز مخيّم قب الياس في البقاع، بعد أن تعرّض لحريق كبير، بأدوات كهربائية كالغسالات ووسائل التدفئة. وبفضل التبرّعات، أمّن أيضاً حقائب مدرسية وزّعها على الأطفال في موسم العودة الى المدرسة...

 

لم يقتصر نشاط محمد الهزّاع على المخيّمات في البقاع بل تعدّاها الى منطقة عكار في شمال لبنان بعد تعرّض منطقة التليل هناك لإنفجار في خزان للوقود أدى الى عدد كبير من القتلى والجرحى، فأطلق حملة ناجحة للتبرّع ساهمت بالتكفل بأطفال أيتام واستشفاء كل من تعرّض للحريق.

 

"عندما أكون قريباً من الأطفال، لا أفكّر بالهموم" يقول محمد وهو يشرح عن عمل لا يفكر به كوظيفة روتينية بل كنشاط يحبه ويساعده على الراحة النفسية. "مع الأطفال، لا تفكر إلا بالمساعدة وفرح العطاء..." يكمل محمد الذي لا يحب أن ينشر صوره الشخصية على تطبيق إنستاغرام كي لا يكون كمن يقوم بأخذ صورة مع طفل ومن ثم يذهب وينسى معاناة هذا الطفل، أو أن يكون كمن يستغل الصورة لغرض الشهرة أو كسب الإعجاب. "الصفحة مخصّصة للأطفال، وأحب أن يكون التركيز عليهم حصراً وعلى صورهم وعلى الفيديوهات".

 

هذه الصور التي ينشرها تشجع الأطفال على تنمية مواهبهم عندما يخبرهم عن التفاعل الكبير معها، فيقومون بصنع أشياء فنية وتصاميم جميلة، ويطلبون منه أن يعرضها على الجمهور مما يعزز من ثقتهم بأنفسهم وبمواهبهم. كما يثير عمل محمد الفضول لدى الأطفال ويحثّهم على تعلّم التصوير الفوتوغرافي كالطفلة زينب التي تصّر على مساعدته خلال عمله ولا يتردّد محمد في تشجيعها على ذلك وإعارتها الكاميرا كي تقوم هي أيضاً بتوثيق لحظات من الفرح والسعادة بالرغم من كل ما يحيط بها...

 

على حدّ قول المصور آنسل آدامز، "التصوير بطريقة حقيقية وفعالة هو أن نرى ما وراء السطح والتقاط صفات الطبيعة والإنسانية التي تعيش أو تتواجد في كل شيء." وهذا بالتحديد ما يقوم به محمد من خلال عدسته، فينقل الجانب الجميل من واقع الطفل النازح في صورة حقيقية تساهم، بطريقة أو بأخرى، في إضفاء بعد آخر على واقعه! 

 

بالإمكان زيارة صفحة محمد الهزاع على إنستاغرام هنا

Write a comment

Comments: 4
  • #1

    Amina Alzein (Tuesday, 15 February 2022 01:18)

    لم أقرأ بحق اصدق من وصفكم للفكرة الرئيسية للهدف من عمل ابني محمد .وازيد على ذلك أنه نشأ وترعرع في أسرة تحب الأطفال وطريقة التعامل معهم واحترام مشاعرهم والسبب هو (روضة ژهرة الاحسان )التي كنت قد افتتحتها في بلدتي القصير فكانت فسحة من الأمل والفرح والنشاط لمئات الاطفال فهو يلتقي بهم صباحا وعند عودته من المدرسة وكانت الكاميرا بيده تلتقط أجمل الابتسامات والمشاعر التي تظهر في صوره ومن تلك الأيام أيقنت أنه لو لم يعطي الحب والأمان لهؤلاء الأطفال لما بادلوه نفس المشاعر .
    شكرا لكم على الإضاءة على هذه الأعمال لربما يقتدي به الكثر من المصورون الذين مازالوا يلتقطون صور البؤس والحزن والتي لا تزيد الطفل سوى البؤس والحزن .

  • #2

    Najla Alawadhi (Thursday, 17 February 2022 20:59)

    نحن كمتابعين لحساب محمد هزاع في إنستغرام أصبحنا لا نستطيع أن نفرط في أي صوره أو مشهد يلتقطه محمد هزاع بعدسته فهؤلاء الأطفال أصبحوا جزء من بهجة حياتنا اليومية فمنهم نتعلم الأمل والصبر والعزيمة...مشاهدتهم سعادة ومساعدتهم سعادة أكبر .. نشكر محمد هزاع أنه أوصل إلينا وإلى العالم صورهم ويومياتهم وجعلنا نعيش معهم ونتعرف عليهم ونشعر بمعاناتهم وندعمهم بكل أنواع الحب

  • #3

    Newstelegraph.net (Friday, 18 February 2022 00:05)

    شكراً على التفاعل

  • #4

    Fatma (Friday, 18 February 2022 00:40)

    كل التوفيق لمحمد ، شخص مختلف تماماً ، عدسه مختلفه ،تعكس لنا ضحكات وفرح وفنون وابداعات رغم الظروف القاسيه ، تجعلنا نبتسم وكأننا معهم ، استمر يا محمد ونحن جميعنا معك ندعمك ونؤيدك ، هنيئاً لك هذا الابداع وهنيئاً لك حب الاطفال وركضهم وراءك وضحكاتهم تملئ المكان ، والله لقد فُزت