· 

أخلاقيات العمل في الشأن العام


غسان مخيبر (محام ونائب سابق)


في زمن ننوء فيه جميعنا تحت وطأة انهيار الدولة والاقتصاد، ونغرق في الفقر نتيجة سوء إدارة الشأن العام والفساد البنيوي المستشري واستباحة المال العام، والانحطاط في الأخلاق السياسية، وما يتبع كل ذلك من إهانة للكرامة الإنسانية واللجوء الى الهجرة والقنوط من السياسة والسياسيين، من الصعب ان يتقبل المواطن قدسية العمل السياسي وامكانية ان يتمتع احد من السياسيين باخلاقيات وكأن السياسة والسياسيين كلهم كذبة فاسدين، مصيرهم حتما جحيم جهنم. 


بالرغم من التشويه الذي سببته التجربة السياسية اللبنانية، فان الأمانة تقضي بأن نذكّر المواطنين، بأن السياسة يمكن أن تنتج اعمالا صالحة، ويمكن ان تكون عملا شريفا في الخدمة العامة المتفانية، بخلاف الممارسات المشوهة السائدة؛ لا بل ان الإقبال على السياسة وخدمة الشأن العام هي واجب لمن كان له سبيلا اليها، لا الاستقالة او الانكفاء، بل المواجهة في المؤسسات السياسية بالذات، تكريسا للذات في خدمة الناس والمصلحة العامة، كما يكرس الإكليريكيين أنفسهم في خدمة أرواح المؤمنين وخلاصها. 


ان المعني هنا بعبارتي "السياسة" أو "إدارة الشأن العام" سيّان، وتفيد تولي تدبير إدارة شؤون الناس والعناية بأحوالهم وحاجاتهم المختلفة في أي موقع منتخب او معين او طوعي من سلطات ومؤسسات القطاعين العام والخاص، المركزية والبلديات وفي الهيئات الدينية والأهلية والمدنية، وذلك بهدف إيصال الناس الى جميع الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتمتع بالكرامة الإنسانية والسعادة في هذا العالم الفاني.  


لكن هذه المؤسسات لا تكفي وحدها لحسن إدارة الشأن العام، ولا الخيارات السياسية وبرامجها تكفي، إن يمينا او يسارا او وسطا، لأن الذين يتولون الإدارة والحكم هم رجالا ونساء" يتمتعون بنسب متفاوتة من الجودة في الأداء وفي الالتزام بالقواعد الأخلاقية المناسبة التي تحدد سلوكهم في جميع القرارات بين الخير والشرّ، في ظروف غالبا ما لا تتيح سوى الخيار بين السيء والأسواء، وفي ظل ندرة الموارد ووهن المؤسسات وتعقيد الظروف الاقتصادية والإقليمية والعالمية.


هناك ممارسات في العديد من دول وبرلمانات العالم عمدت الى تدوين المبادئ والقيم التي تحدد سلوكيات متولي الخدمة العامة في شرعات للأخلاقيات السياسية، مشفوعة بمؤسسات قانونية خاصة لضمان حسن معرفتها والالتزام بتطبيقها.


واليوم في لبنان، عشية الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية المقبلة، نعتبر انه لزاما علينا، نحن ملتزمي خدمة الشأن السياسي العام، أن نأخذ التزامنا على محمل الجد وفق شرعة اخلاقيات العمل السياسي؛ وان يلتزم كل من يتولى منا أية خدمة عامة بحسن تطبيق هذه الشرعة في جميع سلوكياته وقراراته؛ أما باقي المواطنين، فنلتزم بان لا ننتخب الى أي منصب، إضافة الى الإلتزام بتطبيق البرامج السياسية التي تعبر عن قناعاتنا المختلفة، سوى الرجال والنساء الذين يلتزمون بهذه الأخلاقيات السياسية ويعملون بموجبها.


أما أبرز القيم الأخلاقية للعمل في الشأن العام على ضوء الممارسات الفضلى المقارنة، فهي العشرة التالية: 


 ١  – النزاهة دون الفساد؛

 ٢ – الاستقامة دون التعارض في المصالح؛

 ٣ – الإخلاص للمصلحة العامة للبنان دون المصالح الخاصة لناس او لزعماء أو لدول خارجية؛

 ٤ – التجرّد دون التحيز؛

 ٥ – الصراحة دون التملق؛

 ٦ – اللياقة في التخاطلب والحوار دون الفظاظة والعدائية؛

 ٧ – الامتثال للقوانين الصالحة دون مخلالفتها؛

 ٨ – الفعالية والخبرة في أداء المهمات دون الجهل؛

 ٩ – الجرأة في قول الحق دون الخوف؛

 ١٠ – ممارسة القدوة في الأخلاقيات دون الإنجرار الى السوء المستشري. 


يبقى التحدي في مدى جدية الالتزام بتطوير هذه الشرعة وحسن الالتزام بمبادئها بشتى الوسائل، وقد عملنا على تحقيق ذلك ونستمر، وكل ذلك متاح وواقعي وبعيد عن الطوباوية.

Write a comment

Comments: 0