· 

بين الواقع والافتراضي... الميتافيرس

 

لطالما تناولت الأفلام, الأميريكية منها بشكل خاص, موضوع الواقع الافتراضي والتداخل الكبير بينه وبين الواقع وما يرافق ذلك من "مغامرات" وتحديات. في الآونة الأخيرة برز في الإعلام مصطلح "الميتافيرس" مع الحديث عن دور شركات التكنولوجيا العملاقة ومنها على سبيل المثال, وليس الحصر, شركة فيسبوك.

اعتبر مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، في حدث في يوليو\تموز 2021، أن شركته يجب أن تُسمى «شركة الميتافيرس»، لافتاً إلى أن هدفها هو زيادة رواد هذا العالم الافتراضي وجذب مستخدمين جدد عبر تقديم إكسسوارات زهيدة للرأس. وفي القمة الأخيرة للشركة، أعلن زوكربيرغ تغيير اسم الشركة إلى "ميتا" وهي تضم تطبيقات فيسبوك، انستاغرام، واتساب وغيرها.

 

هذا ويعتبر عدد من الرؤساء التنفيذيين في الشركات المطورة لتقنيات تشبه الخيال العلمي إن البشر، وفي يوم قريب، سيمضون أوقاتهم في عالم تفاعلي من الواقع الافتراضي، مليء بالألعاب والمغامرات والتبضع والعروضات الفريدة القادمة من عالم آخر، كما الشخصيات التي نشاهدها في الأفلام. لكن ما هو الميتافيرس وهل تنفيذه ممكن؟

 

عالم «ميتافيرس» Metaverse، الكلمة تتكون من شقين: الأول «meta» (بمعنى ما وراء) والثاني Verse» » (مشتق من كلمة «الكون universe»).

ابتكر هذا المصطلح الكاتب نيل ستيفنسون عام 1992 في روايته الخيالية «سنو كراش». ويرمز الميتافيرس في هذه الرواية إلى بيئة رقمية انغماسية يتفاعل الناس فيها على شكل شخصيات افتراضية.

 

ووفق موسوعة ويكيبيديا الرقمية فإن هذا المصطلح يُستخدم عادةً لوصف مفهوم الإصدارات المستقبلية للإنترنت، المكون من مساحة ثلاثية الأبعاد ثابتة ومشتركة ومرتبطة مع كون افتراضي مدرك.

 

 

ويأتي الميتافيرس على شكل فضاء رقمي هائل ومشترك يربط الواقعين المعزز والافتراضي ببعضهما، ويتيح أيضاً للشخصيات الافتراضية القفز من نشاط إلى آخر من دون أي عوائق, كما يحصل في بعض ألعاب الفيديو الحديثة حيث ينغمس اللاعب في عالم اللعبة ويشعر وكأنه يتجول دخلها ويعيش في عالمها.

 

 

 

كيف يعمل الميتافيرس؟ نظرياً، يلج المستخدم إلى «الميتافيرس» كما يلج إلى الإنترنت، إلا أنه يجب أن يستخدم إكسسواراً يُثبت على رأسه, وليس شاشة لرؤية المحتوى، بالإضافة إلى أداة للتتبع الحركي تشبه سوار المعصم للإمساك بالأشياء.

 

ويقول دالفين براون الخبير الأميركي في التقنية في واشنطن، نقلاً عن دينيز وايت، مؤسسة شركة «بلاك إكس.آر» للتقنيات الانغماسية قولها: «سيكون هناك لاعبون أقوياء دون شك. فور وضع نظارات الواقع المعزز والبدء برؤية هذه الشخصيات الافتراضية تتجول في أرجاء هذا العالم، ستعرفون أنكم أصبحتم داخل الميتافيرس».

 

حتى يومنا هذا، اصطدمت إكسسوارات الرأس اللاسلكية المتطورة بالكثير من المشاكل من الناحية التقنية ومن ناحية التكلفة المادية على المستهلك الذي قد يتردد قبل اختيارها. فقد تميزت نظارة «أوكيولوس كويست 2» من فيسبوك مثلاً بتصميم جميل ولكن نوعية الصور التي تعرضها كانت رديئة جداً رغم أن سعرها (299 دولاراً) هو الأفضل في السوق في الوقت الحالي؛ أما نظارة «فايف برو 2» من إتش.تي.سي.، فلم تنجح بسبب حجمها المزعج وافتقارها للكثير من قوتها الكومبيوترية دون أسلاكها، فضلاً عن أن سعرها يبدأ من 799 دولارا دون احتساب ثمن أداة التحكم.

 

وبما أن التطورات التقنية ساهمت الى حد ما في تخفيض وزن وسعر إكسسوارات الرأس المخصصة للواقع الافتراضي في السنوات القليلة الماضية، إلا أن هذه الأجهزة يستخدمها عدد محدد من الأشخاص أبرزهم محبو الألعاب الإلكترونية. ولكن معظم اللاعبين الإلكترونيين لا يملكون نظاماً متكاملاً للواقع الافتراضي، إذ كشفت أرقام جمعية البرامج الإلكترونية الترفيهية أن 29 في المائة فقط من 169 مليون لاعب إلكتروني في الولايات المتحدة يملكون واحداً منها وبالتالي الجمهور العريض ما زال بعيداً جداً عن اعتماد الميتافيرس في حياته اليومية.

 

من هنا يبرز السؤال الأهم: هل سيصبح الميتافيرس حقيقةً فعلاً؟ يتطلب العالم الافتراضي من الجميع أن يكون قادراً على استخدام وشراء إكسسوارات الواقع الافتراضي الخاصة بالرأس. ويجب أن تكون التقنية عصرية وصغيرة الحجم, كالهاتف الذكي الذي جعل التكنولوجيا في متناول الجميع في أي وقت وفي أي مكان, وذلك لجذب الناس أو المستهلكين بشكل أدق، وكذلك من المهم أن تكون هذه الأجهزة متطورة بما يكفي للعمل دون مشاكل وسعرها بمتناول الجميع... هذه الأمور لم تتحقق "بعد" وانما من الممكن جداً تحقيقها في المستقبل القريب. وبالعودة الى عالم الأفلام السينمائية, فإن معظمها يتوقع, بشكل أو بآخر, بمستقبل البشرية!

 

 

Write a comment

Comments: 0