· 

بين الاعتدال والمبالغة في الحياة

الإعتدال في الحياة مهم جدًا وفي تعريفه القانوني هو تجنب التطرف والافراط وضبط النفس في نيل مبتغاها ، ورغم ان حياة الإعتدال تمثل تحدياً فالإفراط والمبالغة لا يدومان، ويجب أن نعيش بإعتدال حسب ما جاء في الكتاب المقدس الذي تطرق في سفر الجامعة الى هذا الموضوع وروى عن الملك سليمان المبالغة في تجربة المتع المختلفة التي سعى وراءها: "وَمَهْمَا اشْتَهَتْهُ عَيْنَايَ لَمْ أُمْسِكْهُ عَنْهُمَا. لَمْ أَمْنَعْ قَلْبِي مِنْ كُلِّ فَرَحٍ لأَنَّ قَلْبِي فَرِحَ بِكُلِّ تَعَبِي. وَهَذَا كَانَ نَصِيبِي مِنْ كُلِّ تَعَبِي" (الآية 10). ولكن سليمان في النهاية لم يكن راضياً، حيث يضيف : "ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ وَإِلَى التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُهُ فِي عَمَلِهِ فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ!" (الآية 11). وسليمان الحكيم لم يجرب الإفراط في المتع فقط، بل فعل الشيئ نفسه في الامور الصالحة مثل الحكمة (جامعة 1: 12-18)، والعمل الجاد (جامعة 2: 17-23). وكانت الخلاصة التي وصل إليها أن كل مجهوده هو باطل ونعمة الله أن يتمتع الإنسان في حياته (جامعة 5: 19).


ويذكر الكتاب المقدس العديد من  الامور الصالحة التي يمكن أن تصبح ضارة إذا لم تُستخدم بإعتدال، مثالاً النوم رغم انه ضروري، الا أن الإكثار منه يقود إلى الفقر (أمثال 6: 9-11) والإعتدال في شرب الكحول ايضاً جاء ذكره في رسالة أفسس 5: 18 "وَلاَ تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلاَعَةُ رغم أن المسيح نفسه لم يمتنع عن شرب الخمر (متى 11: 19)، وأيضاً ما قاله بولس لتيموثاوس: "لاَ تَكُنْ فِي مَا بَعْدُ شَرَّابَ مَاءٍ، بَلِ اسْتَعْمِلْ خَمْراً قَلِيلاً مِنْ أَجْلِ مَعِدَتِكَ وَأَسْقَامِك الْكَثِيرَة  (تيموثاوس 5: 23). 

وهنا نجد رفض المسيحية الإفراط في 

شرب الكحول حتى  حالة السكر.


إن الإلتزام بالإعتدال هو نهج جيد، وضبط النفس هو في الواقع إحدى الصفات التي ينتجها الروح القدس في حياة المؤمن (غلاطية 5: 22-23). وحيث  لا إعتدال لا يوجد ضبط للنفس 8: 1)، وقد منحنا النصرة على كل خطية (أعمال الرسل 13: 38-39). بالإضافة إلى أن الروح القدس يريد أن يمنحنا ضبط النفس. عندما نسلم أنفسنا لله "ذَبِيحَةً حَيَّةً" (رومية 12: 1)


وفي الاخير أجدٍ ان الشيئ الوحيد الذي لا نحتاج أن نقلق بشأن الافراط فيه هو محبة الله نفسه وعلينا أن نحبه بلا حدود (لوقا 10: 27). ولا يمكن أبداً أن نكتفي من الله، ولا يمكن أن نصل إلى المبالغة في محبتنا له. وكلما طلبنا منه أن يملأنا ويغمر حياتنا بالروح القدس كلما صار من الأسهل علينا أن نعيش بإعتدال في كل شيء ، وبدون شك الاعتدال صعب ولكنه افضل من التطرف وتحية الى كل المعتدلين في هذا العالم أينما وجدوا.


بحث ودراسة نقولا ابو فيصل ✍️

Write a comment

Comments: 0