· 

خدمة الآخر ومعالجة جراحه ... جسورٌ عابرة للإختلاف والمعاناة

 

"حملت حقيبة على ظهري وودّعت بلدي في 2018 بسبب وجع سنين ومعاناة بسبب الحرب في سوريا." هكذا يبدأ الطبيب والناشط سمير شليويط حديثه عن ظروف نزوحه الى لبنان بظل مشاهد الحرب المؤلمة وتوقّع الموت بأيّ لحظة جرّاء القصف العشوائي. وكان قد أصيب إثر سقوط إحدى القذائف بالقرب منه في دمشق العاصمة ودخل المستشفى ونجا بأعجوبة... أضف الى ذلك عدم احترام حقوق الإنسان وتعرّضه لبعض المضايقات وظروف السياسة المعقّدة وعدم رغبته بحمل السلاح. كل تلك الأمور دفعته لاتخاذ قرار المغادرة خلال 24 ساعة فقط.

 

في سوريا، عمل سمير كطبيب نسائي في مستوصف "مركز الحكمة" لخدمة أهالي منطقة حوران التي تعاني من الإهمال المزمن. لقد أراد فتح عيادة، بعد تخرّجه، وتقديم الإستشارة والمعاينة دون أخذ مقابل مادي، فجاء عمله في المستوصف الخيري كفرصة ليقدّم خدمات مجانية لمجتمعه. ساعده ذلك على التعرّف على العديد من الأشخاص "وقدّمت إستشارات طبية لأكثر من 150 شخصاً يومياً" يقول شلويت. ولم تقتصر الإستشارات على الطب النسائي بل تعدّتها الى الطب العام والسرطان بالإضافة الى مساهمته بتوزيع أدوية الأمراض المزمنة.

 

واجه صعوبة مع الرجال لإقناعهم بالمشاركة في الدورة والتكلّم والتغلّب على العادات والتقاليد التي تجعل من الرجل الشرقي متحفظاً ولا يعبّر عن مشاعره بشكل كاف
واجه صعوبة مع الرجال لإقناعهم بالمشاركة في الدورة والتكلّم والتغلّب على العادات والتقاليد التي تجعل من الرجل الشرقي متحفظاً ولا يعبّر عن مشاعره بشكل كاف

 

ولدى وصوله الى لبنان، إنضمّ الى "المعهد العالي للشفاء من الصدمات" وخضع لدورات تدريبية كمدرّب في مجال الشفاء من الصدمات والعنف القائم على النوع الإجتماعي. "قمت بتنظيم مخيّم لأكثر من 60 طفلاً وطفلة لاجئين من سوريا والعراق لمدّة أسبوع بمعدّل 12 ساعة في اليوم"، كما يشرح شليويط، مشيراً الى أنه قدّم للأطفال دروساً ونشاطات تربوية ورياضية لمساعدتهم على تخطّي الصدمات. وفي خلال هذا المخيّم، إكتشف حالات اغتصاب، فساعد الأطفال الضحايا على التعبير عن معاناتهم، والأهم، عمل على معالجة هذه الحالات. كما نظّم مع زميلته رولا قطار مخيّماً للأطفال العراقيين حول كيفية حماية الأطفال واحترام خصوصيتهم والدفاع عن النفس وإبلاغ الأهل وعدم الشعور بالخجل وتخطّي الصدمة.

 

لم يقتصر عمل شلويت على العناية بالأطفال، بل تعدّاه الى تقديم وتنظيم دورات تدريبية للراشدين والراشدات حول مواضيع منوّعة. فبالتعاون مع مجلس كنائس الشرق الأوسط ومنظمة الكنيسة النرويجية للإغاثة، قدّم جلسات توعوية حول العنف القائم على النوع الإجتماعي لأكثر من 40 شخصاً من خلفيات مختلفة ومتعدّدة، قبل انتشار جائحة كورونا، ولحوالي 10 أشخاص خلال الجائحة. أثناء هذه الجلسات، عرّف عن العنف وأشكاله وشرح للمشاركين الطريقة المثلى للإبلاغ عن العنف كالإتصال بالرقم الساخن 1145 للأمن العام اللبناني - شعبة مكافحة العنف الأسري. وبظلّ جائحة كورونا والإقفال العام، وبسبب عدم قدرته على الإجتماع بالسيّدات، صمّم رسائل توعوية وفيديوهات ووزّعها على أكبر عدد منهنّ عبر تطبيق واتساب ووسائل التواصل الإجتماعي المختلفة.

 

 

عن هذه الدورات يقول شليويط إنها ساعدته شخصياً على تخطّي الصدمات التي تعرضّ لها: "من خلال تفاعلهم، كنت أبكي معهم وأتأثر. كنت أبلسم جراحي معهم، وعندما أشعر بفرحهم وارتياحهم بعد الدورات، أرتاح بدوري، وذلك ينعكس إيجاباً على الطرفين."

 

قدّم للأطفال دروساً ونشاطات تربوية ورياضية لمساعدتهم على تخطّي الصدمات
قدّم للأطفال دروساً ونشاطات تربوية ورياضية لمساعدتهم على تخطّي الصدمات

 

لم يكن التعامل مع المشتركين والمشتركات سهلاً دائماً. واجه صعوبة مع الرجال لإقناعهم بالمشاركة في الدورة والتكلّم والتغلّب على العادات والتقاليد التي تجعل من الرجل الشرقي متحفظاً ولا يعبّر عن مشاعره بشكل كاف. "حاولت إقناع السيّدات ودفعهنّ لحثّ أزواجهنّ على المشاركة. في الجلسات الأولى، كان العدد قليلاً جدّاً، لكن مع الوقت، بدأ العدد بالازدياد، وعملت على تغيير طريقة تفكيرهم بطريقة دبلوماسية، وركّزت على أفكار بسيطة في البداية ،كأن أطلب منهم القفز أو الضحك من دون سبب معيّن، وإن كان تجاوب السيّدات أكبر من الرجال، إلّا أنه مع الوقت، تغيّرت الأمور وبدأ الرجال بالتجاوب وذلك بعد بناء جسور من الثقة بين الطرفين، وحتى أنهم صارحوني بمشاكلهم، وعملنا على إيجاد الحلول المناسبة لها."

 

في مجال آخر، قدّم الطبيب شليويط إستشارات مجانية للجميع من خلال التواصل عبر تطبيق واتساب على الرقم 00961.76.975331 وحسابه على فيسبوك، بالإضافة لدورات توعوية وتثقيفية عُرضت خلالها أفلام حول مواضيع صحية مختلفة كالصحة الجنسية، وحلقات تلفزيونية تناولت مواضيع طبية وإجتماعية، بلغ عددها 25 حلقة، تمّ عرضها على قناتي "نور الشرق" و"مريم تي في" في لبنان.

 

"عملي كطبيب مصدر فرح بالنسبة لي" يقول شلويت. وبعد إنفجار 4 آب 2020، وبالرغم من تعرّض مكان سكنه بالأشرفية للدمار، توجّه، بعد دقائق قليلة من الإنفجار، لتفقّد أصدقائه المسنّين ولإسعاف المصابين. وكذلك ساهم في عمليّة تنظيف الشوارع من الزجاج والحطام في بعض أحياء المدينة المنكوبة. بعدها، شارك في عملية توزيع المساعدات الغذائية والعينيّة بعد إحصائه عدداً من العائلات المتضرّرة.

 

أعماله التطوعية وإسهاماته الخيريّة لا تجنّب الطبيب والناشط شليويط التعرّض للمارسات العنصريّة وللكلام الجارح بسبب نظرة البعض الدونيّة للسوري في لبنان. "لا ألوم أحداً بل أحترم الجميع وأحاول أن أثبت أنّ السوري هو إنسان بالدرجة الأولى." يقول شليويط بمسحة حزن وغصّة. لكن، ومع أصدقاء من لبنان، يحاول نسج علاقاتٍ مميّزة، مؤكّداً: "وطني هو حيث أكون. لم آتِ لأخذ كل شيء، وإنّما أقوم بواجباتي كمواطن صالح وأقوم بواجباتي للدولة اللبنانية حيث أقيم كأيّ لبناني آخر."

 

تعرَّضَ الطبيب والناشط سمير شليويط للمضايقات فواجهها بالصبر وتقبّل الإنتقادات الجارحة وتمكّن من تغيير النظرة إليه من خلال عمله وحبه الكبير للعطاء والخدمة الإنسانية ولم يلجأ لردّات فعل غاضبة... "من الممكن الإستفادة من الخبرة والتعاطف بين البشر، ومن الممكن كذلك خدمة المجتمع في كل مكان وزمان، وهذا يمنحني الرضا الذاتي بالدرجة الأولى وأشعر بالندم إن لم أكن نافعاً. مثلاً، أقوم بقياس الضغط لجارتي المسنّة في الأشرفية، وإن نسيت يوماً، أعود لزيارتها وتفقدّها في اليوم التالي في الصباح الباكر..."

 

 

لا يتردّد شليويط بتلبية النداء وتقديم يد العون لكل من يطلب منه ذلك دون أي تفرقة بالجنس أو الجنسيّة، إنّما وبسرور كبير ومع ابتسامة لا تفارق وجهه. وبإيمان كبير بغدٍ أفضل، إستطاع أن يقدّم للنازحين والنازحات وللمجتمع المحلّي المضيف بارقة أمل وقناعة راسخة بقدرة الإنسانية على التضامن بالرغم من الاختلافات والفروقات... فالجسور موجودة لمن "يتجرّأ" على السير عليها.

 

صمّم رسائل توعوية وفيديوهات ووزّعها على أكبر عدد منهنّ عبر تطبيق واتساب ووسائل التواصل الإجتماعي المختلفة
صمّم رسائل توعوية وفيديوهات ووزّعها على أكبر عدد منهنّ عبر تطبيق واتساب ووسائل التواصل الإجتماعي المختلفة


لنتعرف أكثر 

على مبادرة #نلوّن_لبيروت هنا

Write a comment

Comments: 3
  • #1

    Fady Feghaly (Monday, 17 May 2021 06:22)

    Great person �
    Good job❤️

  • #2

    Grace (Tuesday, 18 May 2021 02:07)

  • #3

    Justine (Tuesday, 18 May 2021 07:08)

    He's an example of great affection for other people regardless of their religion or race.