دعوا الكلام يتكلم

البطلة، الإيرانية الأصل، تربّت في مجتمع من المهاجرين في باريس وفي منزلها كانوا يتكلمون اللهجة التونسية
البطلة، الإيرانية الأصل، تربّت في مجتمع من المهاجرين في باريس وفي منزلها كانوا يتكلمون اللهجة التونسية



في العالم العربي نحب التكلم كثيراً، لكن عند الوصول إلى حد التعبير الحقيقي عن وجعنا وصعوبات الحياة، على المستوى الشخصي بشكل خاص، يسكت الكلام ويدخل المحظور.. أما التحدث لطبيب نفسي فهو لضرب من الجنون ووصمة عار وإن باتت النظرة تتغير في الآونة الأخيرة.


في تونس لا يختلف الأمر كثيراً عن باقي المجتمعات الشرقية المحافظة. بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس التونسي، دخلت البلاد في مرحلة كبيرة وجديدة من التغيير والانفتاح على الآخر. بالرغم من ذلك، ستجد سلمى، وهي طبيبة نفسية عادت للتّو من فرنسا لتأسيس عيادة في بلدها، صعوبات بالغة لإقناع عائلتها والمجتمع بمهنتها ومهمتها التي كلفّت نفسها بها على أمل إحداث ثغرة ولو صغيرة وبسيطة في جدار التعنت والتقاليد.


والمفاجأة انها قد تنجح بذلك في الفيلم التونسي-الفرنسي الجديد "أراب بلوز" أو "كنبة في تونس" وهنا الكنبة إشارة واضحة لمهنة المحلل النفسي.


الفيلم من إخراج منال لبيدي وهو فيلمها الأول وأرادت من خلاله التطرق إلى معظم المواضيع الشائكة في المجتمع التونسي، ومعه كل المجتمعات العربية وبما فيها لبنان، بإسلوب كوميدي وطريف دون الدخول في متاهة الوعظ والدروس الأخلاقية.


الشريط من بطولة الممثلة الإيرانية-الفرنسية غولشيفته فرهاني في دور المحللة النفسية التي وبالرغم من هدوئها الظاهر وإدمانها على السجائر لن تتأخر في الانهيار أمام تعنت وتعقيدات المجتمع المحلي، من أقاربها وصولاً إلى ظابط الشرطة الذي لديه مخطط خاص ومغاير.


تأسرنا فرهاني بإدائها الهادئ وشعرها القصير والوشم على ظهرها والأهم إصرارها على النجاح وأن يكون لها دور في المجتمع بعد الربيع العربي وما رافقه من تغيرات ومخاطر على كافة الأصعدة.


"هنا نتكلم في الصالون أو الحمام لكن ليس عند الطبيب النفسي" تخبرنا مديرة الصالون النسائي بكل ثقة، ثم نراها على الكنبة مستعدة بملء إرادتها للتكلم عن مشاكلها ومساعدة سلمى في رحلتها الشائكة.


"أراب بلوز" فيلم مدهش بطريقة تعبيره عن الواقع والحياة اليومية دون الدخول في التفاصيل المملة وهو ينجح بدغدغة مشاعر المشاهدين والمشاهدات ويتحول لمرآة لحياتنا ويأخذنا، مع المحافظة على دورنا في الصف الطويل، إلى كائنات تريد التكلم بحرية والتنفيس عن روحها المرهقة بسبب كل ما يدور من حولها.



لا تفوتوا مشاهدة الفيلم الذي يبدأ عرضه في الصالات اليوم تزامناً مع عرضه في فرنسا.

Write a comment

Comments: 0