معركة توت عنخ آمون

زاهي حواس - بعد أن هدأت العاصفة بين صالة كريستيز من جهة ووزارة الآثار من جهة أخرى، فى ظل مراقبة الحكومة الإنجليزية المعركة بهدوء وابتسامة إنجليزية صفراء، جلست مع صديقى د. خالد العنانى، وزير الآثار، لدراسة الموقف بعد انتهاء اجتماع اللجنة القومية للآثار المستردة وصدور قرارات منها، تكليف مكتب محاماة بريطانى لاتخاذ كل الإجراءات القانونية اللازمة لرفع دعوى قضائية مدنية، على أن تقوم السفارة المصرية بلندن بالاتفاق مع هذا المكتب. وأعتقد أن أهم ما تم إلى الآن هو قيام المستشار نبيل صادق، النائب العام، بتكليف النيابة العامة بمخاطبة الإنتربول الدولى لتعقب القطع المصرية المعروضة للبيع فى جميع دول العالم، والتنسيق مع وزارة الخارجية لإرسال توجيهات للسفارات المصرية بالخارج لمتابعة هذه القطع وإخطار السلطات المصرية عند ظهورها فى أية دولة للتحفظ عليها لحين عرض سندات الملكية الخاصة بها.


والآن أود أن أقول إن القانون الإنجليزى للأسف، بل قرارات اليونسكو، تجبر الدول التى تطالب بعودة أية قطعة أثرية أن تقدم المستندات التى تثبت خروجها بطريقة غير قانونية، وللأسف الشديد لا تجبر صالات العروض على تقديم أى مستند يثبت شرعية خروج الأثر. وهنا فى مصر فى قطاع الآثار، لدينا مصيبة كبرى وهى أن الأثريين الذين يعملون فى مناطق الآثار لا يقومون بالإبلاغ عن سرقة أية لوحات أو مقابر أو تماثيل من المعابد؛ لخوفهم من المساءلة القانونية. وقمت بإعادة أربع لوحات مسروقة من مقبرة بالبر الغربى، قام متحف اللوفر بشرائها، وعندما بحثت الأمر، لم أجد أن منطقة آثار القرنة فى ذلك الوقت قد أبلغت عن السرقة. ولم يتم إعادة اللوحات إلى مصر إلا بعد أن أوقفت بعثة حفائر متحف اللوفر عن العمل بسقارة.


وللأسف الشديد، فإن الحكومة الإنجليزية لا تحاول أن تساعد مصر، ولا تطالب بتقديم مستندات تدل على قانونية التصدير؛ لذا تقوم فورًا بالموافقة على خروج الأثر.


وهنا السؤال: هل نصمت على هذا الموقف؟ وهل نقوم بمعاملتهم بالمثل؟ ومن الجدير بالذكر أن هناك مصالح أثرية مشتركة بين مصر وبريطانيا، وتوجد حوالى 18 بعثة إنجليزية تحفر فى الوجهين القبلى والبحرى. وأرجو ألا يأتى اليوم الذى يتم فيه إيقاف عمل هذه البعثات حتى تستيقظ الحكومة الإنجليزية من سباتها العميق وإهمالها الشديد نحو الإفادة بمدى كيفية التصدير. وعندنا سجلت حديثًا مع الـ B.B.C، قلت: «إن بيع رأس توت عنخ آمون عن طريق صالة كريستيز سوف يُسجل كيوم أسود فى تاريخ الآثار المصرية، وسوف تُوضع الصالة فى سجل السرقة واللصوصية».


ونقول ذلك، لكنهم إلى الآن لم يُعلنوا عن مستند الملكية أو هوية المشترى لرأس الملك. وعلى الرغم من ذلك، لم نحصل على شىء. أما المفاجأة فكانت أن مندوب الـB.B.C قال: «لماذا تطلبون رأس الملك توت رغم أنه عُرض داخل معرض فى ألمانيا عام 1986، ولم يعترض أحد؟»؛ لذلك فإننا سوف نخرج من هذه المعركة دون أن نكسب شيئًا... وعلى الرغم من ذلك أقول لرجال الأعمال: «إنكم تشترون لاعب كرة بالملايين، ولم تفكروا فى شراء هذا الرأس وإهدائه لوزارة الآثار؟!». وعمومًا يجب أن نتعلم جيدًا من هذا الدرس المؤلم.

Write a comment

Comments: 0