· 

تقرير اليونسكو الجديد يشيد بسياسات تركيا ولبنان والأردن من أجل توفير التعليم الشامل للاجئين

يقوم التقرير العالمي لرصد التعليم الصادر بعنوان "بناء الجسور لا الجدران" بتحليل السياسات المعتمدة تجاه اللاجئين والمهاجرين في سائر أنحاء العالم. ويشيد ببعض بلدان غرب آسيا كالأردن ولبنان وتركيا للسياسات التعليمية الشاملة التي انتهجتها تجاه اللاجئين السوريين، خاصةً وأنّ تلك البلدان تستضيف نحو ثلث اللاجئين في العالم. وكانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهتها قد أصدرت مرسوماً يفرض على المدارس قبول جميع الأطفال الأفغان بغض النظر عن وضع أوراقهم الثبوتية. فضلاً عن ذلك، يدعو التقرير إلى تكثيف تلك الجهود وتقديم الدعم الدولي لمساعدة البلدان في تلبية طموحاتها بتطبيق نظام التعليم الشامل للجميع دون أيّ استثناء. والمقصود بذلك احتضان جميع الأطفال على اختلاف جنسياتهم في كافة مستويات التعليم.

 

وبهذا الصدد، قال مانوس أنتونينز، المدير المعنيّ بالتقرير العالمي لرصد التعليم: "أخيراً، استطعنا التخلّص من الممارسات الإقصائية إن بفضل البراغماتية السياسية أو التضامن الدولي. رغم ذلك، ما زالت الحاجة تدعو إلى تعزيز الجهود الوطنية من أجل تحقيق قفزة نوعية نحو تطبيق نظام التعليم الشامل لجميع اللاجئين تطبيقاً كاملاً، بحيث يحتضن الأطفال من كافة الفئات العمرية ومختلف الجنسيات".

وكانت تركيا قد تعهّدت بضمّ كافة اللاجئين السوريين إلى نظامها التعليمي الوطني بحلول العام 2020 بعد أن أدرجتهم ضمن نظم الحماية الاجتماعية المعمول بها في البلد. وفي العام 2016، بدأ الأردن يسمح للمدارس الحكومية بتسجيل الأطفال غير الحائزين على بطاقة الخدمات التي كانت تتطلّب وثيقة ولادة. أمّا الحكومة اللبنانية، ورغبةً منها في تحسين مستوى التحاق اللاجئين بالمدراس، فخاضت تجربة تقديم تحويلات نقدية مشروطة لأغراض التعليم، فتبيّن لها أنّ نسبة الحضور ارتفعت بمعدل 20%.

تبذل تلك البلدان الثلاثة جهوداً جبّارة لمساعدة اللاجئين في الاستفادة من تحصيلهم العلمي حاضراً وسابقاً لإيجاد فرص عمل. وينوّه التقرير بقرار لبنان والأردن في منح اللاجئين الحق في الالتحاق بنظام التعليم العالي والعمل. أمّا في تركيا، فتسعى الوكالة الوطنية للتوظيف، بالتعاون مع عدة منظمات دولية، إلى تذليل العقبات الإدارية التي تحول دون حصول اللاجئين السوريين على فرص عمل، إضافةً إلى إعداد برامج للتدريب المهني. وبدوره، قام الأردن بإصدار أو تجديد ما يزيد عن 100,000 تصريح عمل للاجئين سوريين منذ العام 2016.

لكنّ التقرير يحذّر من تقلّص القدرة على استيعاب اللاجئين في النظم التعليمية نتيجة شحّ الموارد اللازمة لهذا الغرض.  وكان الأردن ولبنان، اللذان يستضيفان أكبر حصة من اللاجئين بالنسبة لعدد سكانهما، قد عمدا إلى تطبيق نظام الدوامين في المدارس الذي يفصلهم مؤقتاً عن الآخرين. لكنّ المعلمين الذين يغطّون بأغلبهم كلا الدوامين اشتكوا من ثقل الأعباء التي يتحمّلونها نتيجة هذا التدبير.

وتابع أنتونينز قائلاً: "أوجد نظام الدوامين حلاًّ مؤقتاً مقبولاً لكنه سيرتّب عواقب على المدى البعيد، لأنّ الاستمرار في فصل اللاجئين عن الآخرين لن يسهّل اندماجهم في المجتمعات المضيفة واضعاً إياهم في ظروف تعليمية غير مؤاتية. لذا، لا بدّ من تعزيز الدعم الدولي المقدّم لتلك البلدان ليُتاح لها أن تضمن جلوس الأطفال اللاجئين جنباً إلى جنب مع أبناء البلد في المدارس".

على الصعيد العالمي، لم يتمّ سدّ النقص التمويلي اللازم لتعليم اللاجئين إلاّ بمقدار الثلث. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى) التي توفّر خدمات التعليم لنصف مليون لاجئ فلسطيني تعاني من عجز هائل في التمويل بسبب تراجع الولايات المتحدة، أبرز مموليها على الإطلاق، عن التزاماتها. في الواقع، لم تقلح المساعي الإقليمية المستجيبة للأزمة السورية إلاّ في تأمين 248 مليون دولار أميركي من أصل مبلغ الـ 873 مليون د. اللازم لسدّ احتياجات التعليم، أو ما يعادل 28%، بحلول نيسان/أبريل 2018.

سيؤثّر هذا العجز سلباً على جودة التعليم في حال لم يتعزّز الدعم الدولي للبلدان التي تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، علماً أنّ الجزء الأكبر من فاتورة التعليم يُدفَع على رواتب المعلمين، وتحتاج تركيا إلى 800,000 معلّم إضافي لتعليم كافة اللاجئين حالياً. أمّا في لبنان، فلم يشارك إلاّ 55% من الأساتذة وأفراد الهيئات التعليمية في برامج التطوير المهني التي جرى تنفيذها في العامين السابقين.

إلى ذلك، يشير التقرير إلى ضرورة زيادة حصة التعليم عشرة أضعاف لسدّ احتياجات اللاجئين في حال اقتصرت مساعدة المجتمع الدولي على الإعانات الإنسانية. ويضيء على صندوق "التعليم لا يستطيع الانتظار"، الذي أُنشئ في العام 2016، باعتباره خطوة أساسية من أجل جمع الموارد اللازمة لتوفير التعليم في حالات الطوارئ التي تحثّ الجهات الناشطة في مجال المعونة الإنسانية والتنمية إلى العمل سوياً. وتدعو هذه المبادرة الجهات المانحة إلى استغلال الزخم الكامن وراء إنشاء الصندوق لتحفيز التمويل المرتقب على سنوات مديدة.

 

لا بدّ من توفير التعليم للأشخاص المتنقلين، إذ ينبّه التقرير إلى الروابط القائمة بين التعليم ونزعة التطرف المشوب بالعنف، محذّراً من أنّ الحرمان من فوائد التعليم قد يكون مضراً بقدر الحرمان من التعليم بحدّ ذاته. وقد بيّنت دراسة طالت ثمانية بلدان عربية أنّ البطالة تعزّز احتمالات التطرف في الأوساط التي تتمتّع بأعلى مستويات علمية فقط؛ لأنّ خيبات الأمل التي تصيبها جرّاء عجزها عن تحسين الأوضاع الاقتصادية من خلال العلم يجعلها أكثر عرضةً لمغريات التطرف كسبيلٍ لرفع الظلم عنها.

 

Write a comment

Comments: 0